: آخر تحديث

هل تصبح التكنولوجيا ديناً بديلاً؟

7
9
8

لا يطال نفوذ التكنولوجيا المتزايد شكل العالم، ولا الناحية الأداتية، التي تحكم تفاعل البشر مع التقنية، فحسبّ. بل ينفذ إلى جوهر العالم. مشاعر البشر وأحاسيسهم ومعتقداتهم العميقة بالوجود والخلق والخالق. تقترب التكنولوجيا من إدراك منزلة الدين البديل عند قطاعات واسعة من البشر حول العالم، لاسيما في المجتمعات الأكثر تطوراً علمياً واقتصادياً. ذلك أنها لا تحوز فقط جانب التقديس في فاعليتها وقدرتها، ولكنها تغزو بقوة مجال الرمز الديني التقليدي، كأن يمضي معتمر أو حاج أو ناسك في معبد، سائر وقته يلتقط الصور واخبار الناس بيومياته المصورة. فركن التأمل الديني، الذي هو بالمعنى الروحي الاستغراق في الخالق عن الموجودات، يعتبر مناط قوة الدين في تميزه عن العلم والفلسفة،  وقد نجحت التكنولوجيا في سرقة هذا الاستغراق، وإن كان زائفاً. اليوم  يثير التفاعل بين الدين والذكاء الاصطناعي تساؤلات عميقة حول الروحانية والأخلاق والتكنولوجيا. هذه العلاقة ديناميكية، وتؤثر على كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي وكيفية إدراكه أو استخدامه في السياقات الدينية. من ناحية نجد النزعة التقديسية، حيث يتصور بعض المستقبليين أن الذكاء الاصطناعي هو شكل أعلى من أشكال الذكاء، قادر على حل المشكلات التي تتجاوز الفهم البشري. وقد أدى هذا إلى مناقشات حول ما إذا كان من الممكن اعتبار الذكاء الاصطناعي "شبيهًا بالإله". ومن ناحية فإن استخدام الذكاء الاصطناعي للأغراض الدينية قد يهدد بتقليل عمق التجارب الروحية، حيث قد تفتقر الأنظمة الآلية إلى الفهم أو العاطفة الحقيقية. فالبشرية لم تعد بعيدةً عن التجارب الدينية المعززة، أين  يمكن للواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي خلق تجارب غامرة، مثل الحجّ الافتراضي أو محاكاة الصلاة بلا صلاةٍ حقيقةٍ. فالتقاطع بين الدين والذكاء الاصطناعي يمثل مجالاً سريع التطور، مما يشكل تحدياً للبشرية في التوفيق بين التقدم التكنولوجي والتقاليد الروحية. فضلاً عن فشلٍ مؤكدٍ لأدوات الذكاء الاصطناعي الدينية السائدة في تمثيل معتقدات سائر البشر على اختلاف عقائدهم ومللهم، مما يؤدي إلى إدامة التهميش الثقافي أو الديني. ورغم أن دراسات أنثروبولوجيا الذكاء الاصطناعي، مازالت قليلةً أو شبه منعدمة في عالمنا العربي، إلا أن الدراسات الغربية تشير إلى وجود علاقة سلبية بين المعتقد الديني وانتشار تقنيات الأتمتة مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي. وقد وجد فريق من الباحثين بقيادة جوشوا كونراد جاكسون من شيكاغو وبوث وآدم وايتز  من نورث وسترن، في الولايات المتحدة، أن البلدان التي تعرض عمالها بشكل أكبر للروبوتات في مراكز الإنتاج كانت أكثر ميلاً إلى تجربة انخفاض في التدين. وجمع الباحثون بيانات على المستويات الوطنية والإقليمية والتنظيمية والفردية. ودمجوا بيانات المسح حول أهمية الدين مع المعلومات حول استخدام الروبوتات الصناعية لمقارنة سكان 68 دولة على مدى السنوات 2006-2019.  فقد كشف التعرض المهني للذكاء الاصطناعي التباين في المعتقد الديني بين الأفراد، ولكنه كشف أيضًا الانحدار الديني لدى نفس الفرد بمرور الوقت. ربما يكون تأثير الأتمتة على الإيمان الديني مرتبطًا بما يسميه الباحثون القيمة "الآلية" للدين. حيث كان الناس تاريخياً يعتمدون على وكلاء خارقين للطبيعة ومحترفين دينيين لحل المشكلات الآلية التي تتجاوز نطاق القدرة البشرية. قد تبدو هذه المشكلات أكثر قابلية للحل بالنسبة للأشخاص الذين يعملون ويعيشون في أماكن عالية الأتمتة. ويشير جاكسون وزملاؤه إلى أنه إلى جانب قيمته كأداة، يلعب الدين أيضًا دورًا في تحديد الأخلاق. وما إذا كان الناس يعتبرون الأتمتة في نهاية المطاف بديلاً مناسبًا للدين في أداء هذه الوظيفة هو سؤال مفتوح. ويشيرون إلى أنه من غير المرجح حاليًا أن يثق الناس في الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات الأخلاقية، ولكن هذه الثقة قد تنمو بمرور الوقت.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد