أثار تصريح رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني حول مخاوف تلوث مياه الخليج العربي إذا ما تم قصف المفاعلات النووية الإيرانية من قبل أميركا أو إسرائيل جدلاً واسعاً، إذ أكد أن دول الخليج العربي لن تجد ماءً للشرب إذا ما تم ذلك.
تمتلك إيران عدة منشآت نووية، لكن المنشآت الأكثر خطورة على مياه الخليج العربي هي تلك القريبة من الساحل، وأبرزها مفاعل بوشهر النووي، الذي يقع في مدينة بوشهر جنوب إيران على بعد 12 كيلومتراً فقط من سواحل الخليج العربي. وهو المفاعل الوحيد العامل حالياً في إيران، ويولد الكهرباء باستخدام الوقود النووي. تم الانتهاء من بناء محطة الطاقة عام 2011 بتعاون روسي-إيراني، وتُقدر قدرتها الإنتاجية بـ 1024 ميغاواط (MW)، ويمتد على مساحة ضخمة تتجاوز 2.7 مليون متر مربع، ويحتوي على ثلاثة مفاعلات نووية. يبعد مفاعل بوشهر عن الشاطئ الغربي للخليج العربي، حيث تقطن دول الخليج العربية، قرابة 243 كيلومتراً، بينما يبعد عن العاصمة الإيرانية طهران 772 كيلومتراً. كذلك، هناك منشأة دارخوين النووية التي تم إنشاؤها في محافظة خوزستان، وهي قريبة من سواحل الخليج العربي أيضاً، بالإضافة إلى بعض المنشآت النووية الصغيرة ومراكز الأبحاث القريبة من المياه، لكنها ليست بحجم بوشهر من حيث الخطورة.
أيّ هجوم على هذه المنشآت، وتحديداً بوشهر، قد يسبب تسرباً إشعاعياً كارثياً يصل إلى مياه الخليج. فمعظم دول الخليج العربية تعتمد بشكل رئيسي على تحلية مياه البحر كمصدر رئيسي للشرب والاستخدام اليومي، وإذا تلوثت المياه، فسوف تتسبب بكارثة مائية يبقى تأثيرها لسنوات وربما عقود. كما يؤدي ذلك إلى انهيار النظام البيئي في الخليج بالكامل، حيث يُعد الخليج مصدراً رئيسياً للأسماك والمأكولات البحرية، وتلوثه قد يؤدي إلى تسمم أو حتى موت كامل للثروة السمكية، بما في ذلك الأسماك والشعاب المرجانية. آلاف الصيادين والتجار سوف يخسرون وظائفهم، فيما سيصبح الأكل والشرب تحدياً يومياً لشعوب الخليج بسبب تلوث المياه والهواء، وسترتفع أسعار الأسماك والمأكولات البحرية بشكل جنوني. كذلك، سيكون هناك تأثير صحي كارثي يتمثل في زيادة معدلات السرطان وأمراض الجلد والتنفس بسبب التعرض للإشعاع. كما قد تتوقف أو تتضرر ناقلات النفط وعمليات الشحن البحري بسبب المياه الملوثة، مما يؤدي إلى خسائر بمليارات الدولارات، بينما ستنهار تماماً السياحة الشاطئية والغوص وصناعة اللؤلؤ وغيرها من الصناعات البحرية.
المخاوف العربية من تسرب إشعاعي من مفاعل بوشهر الإيراني لا تتعلق فقط بالهجمات العسكرية، وإنما تشمل أيضاً الأخطاء التقنية التي تعرض لها المفاعل خلال السنوات الماضية، حيث يعاني العاملون في المنشأة من نقص الخبرة والتدريب والتمويل، وكان آخرها فشل الطاقم في تشغيل المفاعل عام 2021. كما تعرض المفاعل لهجمات سيبرانية، وعدد من الزلازل كونه يقع على أحد أحزمة مناطق الزلزال الأكثر نشاطاً في المنطقة، ناهيك عن عدم مطابقة المفاعل لكثير من معايير السلامة النووية الدولية، التي لم تنضم إليها إيران. بالإضافة إلى ذلك، فإن مفاعل بوشهر النووي قائم على أساسات قديمة جداً تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، عندما بدأ الألمان ببنائه في عهد الشاه محمد رضا بهلوي، لكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979، توقفت ألمانيا عن العمل بالمشروع بسبب العقوبات والضغوط السياسية. وعندما تولّت روسيا (شركة روس آتوم) استكمال المشروع في التسعينيات، لم تبدأ من الصفر، بل أعادت استخدام الأساسات القديمة، وهو ما يثير مخاوف كبيرة.
من العوامل التي تزيد من خطر التسرب الإشعاعي على دول الخليج العربية هو اتجاه الرياح في تلك المنطقة، إذ إن اتجاه الرياح شرق-غرب، ما يعني أن التيارات الساحلية تدور عكس اتجاه عقارب الساعة، وهو ما يؤكد أن الكويت والمملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والإمارات ستشعر بآثار التسرب الإشعاعي في بوشهر إن حدث ذلك في غضون ساعات قليلة. ومع اعتماد دول الخليج العربية في مياه الشرب العذبة على محطات تحلية مياه الخليج، فإن تلوث الخليج على المدى الطويل سيكون قاتلاً لشعوب المنطقة. وأي ضرر يلحق بمفاعل بوشهر يشكل تهديداً مباشراً لدول الخليج، ما يستوجب مراقبة مستمرة وحذراً شديداً. لذا، فالتعامل مع النظام الإيراني لا بد أن يتم من خلال أي حلول عدا اللجوء إلى ضرب المنشآت النووية، فلا بد من التمسك بالحلول الدبلوماسية وتجنب أي تصعيد عسكري يهدد البيئة.
في السياق نفسه، ينبغي على دول الخليج العربية أن تسعى لتأمين مصدر آخر لمياه الشرب، غير تلك التي يتم تحليتها من مياه الخليج العربي، وتبني مشاريع لتطوير تقنيات تنقية المياه بشكل أسرع وأكثر أماناً للأجيال القادمة. كما يجب إلزام إيران بمواثيق واتفاقيات دولية من أجل حماية البيئة البحرية وتعزيز قوانين السلامة النووية في المنطقة.