عماد الدين حسين
هل تنجح المحاولات المستمرة لتعزيز نفوذ إثيوبيا في منطقة القرن الأفريقي، كي تعلن نفسها قوة إقليمية وأفريقية كبرى في القارة الأفريقية؟!
أغلب الظن، ومن قراءة التطورات المستمرة في هذه المنطقة، فإن الإجابة هي لا، بنسبة كبيرة جداً.
إثيوبيا تسعى منذ عقود طويلة لتعزيز نفوذها، لكنها لم تكن تملك الموارد أو التماسك الداخلي، أو حتى الظروف المواتية لكي تبدأ فعلياً في تنفيذ ما تطمح إليه.
لكن ابتداء من عام 2011 حينما انشغلت مصر بتداعيات ثورة 25 يناير في العام نفسه، أعلنت أديس أبابا عن مشروعها لإنشاء سد النهضة قرب الحدود السودانية، وهو ما تمكنت من تنفيذه بالفعل، وتكاد تنتهي من ملء هذا السد بـ 74 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق، ورفضت كل المقترحات والأفكار المصرية للتفاوض للوصول إلى اتفاق قانوني وملزم لملء وتشغيل السد، وهو ما يمكن أن يؤثر سلباً على مستقبل مصر، التي تعتمد على مياه النيل بنسبة 95 % من احتياجاتها المائية.
نعلم أنه ومنذ انفصال إريتريا عن إثيوبيا عام 1993، فإن الأخيرة صارت دولة بلا منافذ بحرية، وبالتالي سعت بكل السبل للوصول إلى البحر، لكن كل ما تمكنت منه هو الاتفاق مع جارتها جيبوتي لاستخدام موانئها في 95 % من تجارتها، بمعنى تحميل البضائع من وإلى الميناء عن طريق البر، لكن ذلك يكلفها أكثر من مليار دولار سنوياً، وهو الأمر الذي يرهق الاقتصاد الإثيوبي المنهك أصلاً.
ونعلم أيضاً أن إثيوبيا وإريتريا دخلتا في حرب دامية استمرت عامين من 1998 – 2000، ما أدى إلى مقتل مئات الآلاف من مواطني وجنود البلدين، وإنهاك اقتصادهما بصورة كبيرة، وظلت علاقتهما متوترة، إلى أن تحسنت بعد أن ساعدت إريتريا الحكومة المركزية في أديس أبابا في صراعها العرقى ضد أقلية التيغراي، في الحرب التي نشبت بينهما لمدة عامين من نوفمبر 2020 إلى نوفمبر 2022، وانتهت بهزيمة التيغراي.
وكانت أسمرة تريد الانتقام من التيغراي بسبب أنهم كانوا السبب الأساسي في شن حرب العامين ضدها، حينما كانوا يسيطرون على معظم المناصب الرفيعة في الحكومة الإثيوبية، ما أدى إلى قلاقل اجتماعية وعرقية كثيرة، خصوصاً من قوميتى الأورمو، التي تشكل 35 % من السكان، والأمهرا، التي تشكل 27%، في حين أن التيغراي لا يشكلون أكثر من 6.5 % وهو عدد القومية الصومالية نفسه في إثيوبيا، إضافة إلى أعراق أخرى صغيرة.
الذي زاد الأمور تعقيداً أنه وفي الأول من يناير 2024 اتفق رئيس الحكومة الإثيوبية آبي أحمد، مع موسى عبدي رئيس حكومة «أرض الصومال» على أن تحصل إثيوبيا على ميناء على البحر الأحمر يطلّ على خليج عدن، وهو ما يعني أن أديس أبابا التي تستضيف الاتحاد الأفريقي تعترف ضمنياً بانفصال إقليم «أرض الصومال» عن بلاده بصورة فعلية، وهو الأمر الذي رفضته بالطبع مقديشيو وعدد كبير من الدول الأفريقية، خصوصاً مصر، التي استقبلت الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود بعد الاتفاق بأيام، كما استقبلته مرة ثانية في القاهرة يوم 14 أغسطس الجاري.
الاتفاق الإثيوبي مع «أرض الصومال» لم يغضب فقط حكومة مقديشيو المركزية، أو حتى مصر، ولكن أغضب أطرافاً كثيرة، ومنها جيبوتي، التي ستخسر عائدات مرور السلع والبضائع الإثيوبية، وأغضب إريتريا التي تشعر أن أديس أبابا استعانت بها فقط من أجل مقاتلة ودحر التيغراي.
قد يسأل البعض قائلاً: وما الجديد في كل ما سبق؟
الإجابة هي أن قوات حفظ السلام التي شكّلها الاتحاد الأفريقي لمساعدة الحكومة الصومالية ضد هجمات «جماعة الشباب» المتطرفة منذ عام 2007، يفترض أن ينتهي عملها رسمياً آخر هذا العام.
والمهم أن القوات الإثيوبية تشكل العمود الفقري لهذه القوات، وتصر الحكومة الصومالية على ضرورة إخراج القوات الإثيوبية واستبدالها بقوات من مصر وجيبوتي. وارتباطاً بذلك، من المهم ملاحظة أنه، وخلال زيارة الرئيس الصومالي الأخيرة للقاهرة، فقد اتفق البلدان على توقيع بروتوكول للتعاون العسكري، إضافة إلى اتفاقيات أخرى كثيرة في العديد من المجالات.
الصورة على أرض الواقع أن إريتريا وجيبوتي والصومال، جارات إثيوبيا الأساسية، ترفض اتفاقها مع «أرض الصومال». كما أن مصر، التي تختلف مع أديس أبابا بصورة كبيرة بسبب سد النهضة، ترفض الاتفاق أيضاً، وتعتبره تهديداً لأمنها القومى، بل ولقناة السويس والبحر الأحمر، أما السودان فهو مشغول بالحرب الدامية الدائرة بين القوات المسلحة وقوات الدعم السريع منذ أبريل 2023، وهو الصراع الذي استفادت منه إثيوبيا كثيراً، لأنه أخرج السودان، على الأقل مؤقتاً، من قضية سد النهضة.
المؤكد أن الأوضاع في هذه المنطقة مرشحة لمزيد من التوتر.