بعضنا يصمت عندما يشعر بأن الصمت هو الأنسب والأنجع للرد على مواقف معينة.
وغالباً ما يكون الصمت أجدى بكثير من ردود لا معنى لها ولا جدوى.
يقولون إن الصمت عند الغضب قوة، وعند الاستفزاز انتصار.
ودائماً ما ينصحنا الحكماء بعدم الرد أو اتخاذ أي قرار في حالة الغضب، لأن نتائج ذلك وخيمة، وقد تقلب الطاولة رأساً على عقب.
لذلك، فالصمت لحظات الغضب بالفعل قوة، لأننا عندما نتحكّم بكل الثورات داخل تكويننا، التي قد تلقي بحمم تحرق وتشوه وتلسع العلاقات مع من حولنا، مهما كانت وثيقة أو قوية، فإن صمتنا هو ما يبرّد سخونة هذه الحمم، وهو الذي من شأنه أن يجمدها في مكانها قبل أن تمتد لخيوط العلاقات والمحبة والاحترام.
صمتك عند استفزازك هو، عن حق، انتصار لذاتك ولشخصك، لأن الاستفزاز بشكل عام هو محاولة رخيصة لإثارة ضعفك في داخلك، وبصبرك فإنك تتكئ على كل مراكز القوة في ذاتك، فتساعد على نموها وزيادة تألقها.
أما أكثر أنواع الصمت جمالاً فهو صمتك حين الإساءة، لأنك بصمتك تعبّر عن حكمتك وقوتك وغنى أخلاقك كلها.
ما أسهل الإساءة إلى الآخرين في كل الظروف، إلا ان الصمت لحظات الإساءة يُشعرك بأن كل ما بداخلك يكبر، وأنت تكبر داخل ذاتك، وأيضاً تكبر في عيون الآخرين.
منتهى الأدب أن تصمت حين ينصحك الآخرون، وإن كانوا أقل منك سناً أو مكانة أو علماً.
الصمت عند الحاجة عزّة نفس، لذا كثيراً ما يثيرنا متسوّل لحوح، ومن يكرّر عوزه وحاجته عليك في كل مناسبة، أما المحتاج الحقيقي فهو الذي يصمت، لأنه يعرف أن من يحمل الإنسانية داخله يشعر به بكل تأكيد.
أكثر ما يحز بالنفس أن الكثير من الناس يعتبرون الصمت ضعفاً، وهو بداية سلّم يتسلقون عليه وصولاً لمبتغياتهم الرخيصة.
يبقى أن نقول إن الصمت فن، والصمت قوة، والصمت أسلوب لا يتقنه إلا من هو أكبر من كل المواقف، التي لا يفهمها ولا يتقنها، وللأسف، كثير من يعيش معنا.
اختاروا متى تصمتون، ومتى تبتسمون، ومتى تقبلون، ومتى ترفضون، حسب فهمكم للمواقف وأبطالها والمغزى منها.
إذا كان الكلام من فضة، فإن السكوت من ذهب.
إقبال الأحمد