سميح صعب
احتفلت حركة "طالبان" الأفغانيّة في 15 آب (أغسطس) الجاري بالذكرى الثالثة لعودتها إلى السلطة، بعد 20 عاماً من الغزو الأميركي. وبعد أيام، تحلّ الذكرى الثالثة لانسحاب آخر الجنود الأميركيين من هذا البلد، الذي كان شاهداً على فشل الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة، انتقاماً من هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 على واشنطن ونيويورك.
قرار الانسحاب الأميركي من أفغانستان اتخذه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لكن الرئيس جو بايدن هو من أشرف على عملية الانسحاب التي عمّتها الفوضى، وأدّت إلى مقتل عدد من الجنود الأميركيين في هجوم شنّه تنظيم "داعش" على مطار كابول، بينما كان الناس يفرّون بأعداد كبيرة، مع سقوط الحكومة الأفغانيّة المدعومة من الغرب، وسط واحدة من أكبر عمليات إجلاء الأجانب في التاريخ.
لا يزال الانسحاب الفوضوي يلاحق بايدن حتى الآن، ويُعتبر لطخة سوداء في إرثه السياسي، وهو من وعد بإنهاء "الحروب الأبدية" التي تخوضها أميركا في الخارج.
لكن أفغانستان لم تكن آخر الحروب، إذ بعد أشهر فقط على الانسحاب الأميركي، اندلعت الحرب الروسيّة - الأوكرانية، ووقفت واشنطن بقوة إلى جانب كييف، وحالت دون نجاح الهجوم الروسي الذي بدأ في 24 شباط (فبراير) 2022.
سعى بايدن إلى تبرير صحة قراره بالانسحاب من أفغانستان، ولو عادت "طالبان" إلى الحكم، بطرح السؤال الآتي: "ماذا كانت حال الولايات المتحدة والغرب عموماً لو نشبت الحرب الروسيّة - الأوكرانيّة والجيش الأميركي لا يزال في أفغانستان؟".
لم تكن الحرب الروسيّة – الأوكرانيّة هي الوحيدة التي انفجرت بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان. وهذه الحرب الإسرائيليّة المدمّرة على قطاع غزة قد مضى عليها أكثر من 10 أشهر، ولم يستطع البيت الأبيض حتى اليوم إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بوقف النار، على الرغم من أن التوترات الإقليميّة الناجمة عن هذه الحرب تهدّد بنشوب صراع إقليمي واسع النطاق، قد يضع أميركا في مواجهة إيران وحلفائها مباشرة.
وأجبرت هذه التوترات الولايات المتحدة على تعزيز أساطيلها وقواتها في المنطقة، في دليل آخر على الإخفاق الكبير للسياسة الأميركية، في ما يتعلق بأزمات الشرق الأوسط، وفي مقدّمها الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي. وهذا الفشل هو الذي أفرز 7 تشرين الأول (أكتوبر) والحرب الحاليّة التي يستعصي على البيت الأبيض إيقافها.
إذاً، أفغانستان التي كانت أطول حرب تخوضها الولايات المتحدة في تاريخها، لم تجعل العالم أكثر أماناً، شأنها في ذلك شأن الحرب الأميركية على العراق، التي لم تسهم هي الأخرى في ترسيخ الاستقرار العالمي، لا بل كانت سبباً مباشراً في صعود التنظيمات الجهاديّة في العراق وفي سوريا ودول أخرى في المنطقة.
لم تتعلّم أميركا شيئاً من حروبها في الخارج، وهي على وشك التورط في حرب أخرى في حال لم تنجح في إقناع نتنياهو بالتجاوب مع الجهود الجارية لوقف النار.
بدأ بايدن ولايته بالانسحاب من أفغانستان، وها هو يشارف في نهايتها على توريط واشنطن في حرب جديدة، بسبب فشل السياسة الخارجية الأميركية.
وحتى في أوروبا، تتصاعد المخاطر من توسّع النزاع الأوكراني، في ضوء رفض بايدن اللجوء إلى تسوية سياسيّة لهذا النزاع، والإصرار على إلحاق هزيمة استراتيجيّة بروسيا. والتوغل الأوكراني في منطقة كورسك الروسية، واستخدام القوات الأوكرانيّة الأسلحة الأميركيّة داخل روسيا مؤخّراً، لن تكون عواقبهما مأمونة، وقد يدفع سوء الحسابات إلى مواجهة روسيّة - أطلسيّة.
يشهد العالم، بعد ثلاثة أعوام من الانسحاب الأميركي من أفغانستان، حروباً وصراعات أكثر مما شهد في أي وقت من الأوقات. ونقل المواجهة إلى آسيا يساهم أيضاً في تسعير نار الخلافات الإقليميّة في المحيطين الهادئ والهندي، ويزيد من فرص حصول سوء في الحسابات.