قدّمت إحدى الفرق النخبوية في مصر مسرحية «حلم ليلة صيف» للكاتب الإنجليزي الأشهر وليم شكسبير باللغة «العامية»، والمقصود بـ«الكاتب الإنجليزي الأشهر» الشاعر الأكثر شهرة من اللغة الإنجليزية. ولم أشاهد المسرحية لكي أعرف ماذا حل بـ«الكاتب الإنجليزي الأشهر»، عندما سمع نصه يجول بين الترع في الصعيد. بينما العاشقة اليونانية هيبوليتا تقول: «أيام أربعة سوف تفرز نفسها سريعاً في الليل/ أربعة ليال سوف تبدد نفسها سريعاً مثل حلم».
ليس هناك ما يمنع التجارب الأدبية. والدليل أن العشرات منها حاولت حتى الآن نقل شكسبير إلى الإنجليزية الشائعة. ولكن لماذا؟ ما هو الفوز الذي يتحقق عندما يكون لديك كنزٌ فتقرر أن تصرفه إلى فكة، وإذا كان الهدف تبسيط شكسبير لإيصاله إلى العامة، فماذا يبقى منه عندما يصبح عامياً؟
بعض المحاولات تولد خارج الرحم. كان موريس عواد شاعراً عامياً مثقفاً ومرموقاً، وذات مرة قرَّر أن يترجم تحفة «الأمير الصغير» إلى «اللغا اللبنانيي». فقدت صديقاً عزيزاً على الفور. اعتبرت أن الفكرة في حد نفسها كانت اعتداءً وافتراءً على عمل لغوي لم يظهر مثيل له في أي لغة من لغات العالم. تلك هي النصوص التي، لبساطتها، لا يمكن ترجمتها إلى لغة أخرى، فكيف إلى لهجة؟ وتتميز «الأمير الصغير» بلغة مثل صفاء البلور، فماذا يحل بها عندما تخشوشب وتبتذل وتجرد من ماسها؟
نقل الشاعر يوسف غصوب «الأمير الصغير» إلى العربية الفصحى، ولا شك أنه كان عملاً قريباً جداً من النص. ففي الوقع الفصيح نبل ليس في المحكيات حتى لو كانت العامية المصرية التي تتناسق في خفتها مع روح الكوميديا.
لا حصانة للأعمال الكلاسيكية من المحاولات. وقد حوّلت سيمفونيات موتسارت وبيتهوفن إلى أغانٍ رشيقة وألحان راقصة، بل إن الرحابنة «عربوا» شيئاً من موتسارت من دون المساس بروعة الشفافية النمساوية.
الترجمة شيء، والنقل إلى العامية شيء آخر. إنه تغيير كامل للصيغة والمناخ. وإذا كان لا بد من اللجوء إلى العامية، يصبح من الأفضل البناء على المحتوى، والتصرف في الشكل إلى ما شئت. وقد لجأت هوليوود إلى هذا الحل في تصوير الأفلام الضخمة، فكان يذكر في بداية الفيلم أنه «مبني» على القصة الفلانية، أي أن المؤلف احتفظ بحق الاسم، والمخرج احتفظ بحق التصرف.