: آخر تحديث

كراكيب رقمية

3
3
3

مفردة «الاكتناز الرقمي» الواردة في عنوان تقرير عن حيرة الأفراد تجاه ما تمتلئ به هواتفهم من ملفات ورسائل قديمة، أعادتني إلى الكتاب الجميل «عبودية الكراكيب»، وهو كتاب قديم، حتى أن ترجمته العربية التي وضعتها مروة هاشم، صدرت قبل أكثر من عشرين عاماً. واسم الكتاب هو «عبودية الكراكيب» أو «كيف تتخلص من الكراكيب على الطريقة الفينج شوي الصينية؟» لمؤلفته كارين كينج ستون، وفكرة الكتاب تنطلق من الدعوة للتخلص من الزوائد في حياتنا، الأشياء التي تتراكم في غرفنا وبيوتنا دون أن تكون لها فائدة تذكر. وفي أحد مواضع الكتاب، تقدّم الكاتبة نصيحة ذهبية بعدم التردد في التخلص من الكراكيب، مفندة الحجج التي يمكن أن نضعها نحن أمام أنفسنا لعدم الإقدام على هذه الخطوة، داعية إلى «إطلاق سراح» الأشياء التي لم نعد نحبها ولا نستخدمها.

حين وضعت الكاتبة كتابها هذا عن عبودية الكراكيب المتراكمة في غرف منازلنا وخزانات ملابسنا، لم يكن للعالم الرقمي الحضور الذي هو عليه اليوم، لذا قد يجوز لنا أن نحوّر عبارة «الاكتناز الرقمي» التي يتحدث عنها التقرير إلى «الكراكيب الرقمية»، واللافت أن واضعي التقرير كادوا أن ينحوا المنحى الجرئ للكاتبة حين دعتنا إلى عدم التردد في التخلص من الكراكيب، معتقدة أن حياتنا بدونها ستصبح أكثر حرية، لأنهم، أي واضعو التقرير، تحدثوا عن اضطراب أسموه الاكتناز القهري، حين يجد المرء نفسه يشعر بصعوبة في حذف الرسائل القديمة، أو إذا كان يشعر بأن هاتفه مليء بالملفات التي لا يعرف كيف يديرها، ويرتبط هذا الاضطراب عادة بما يعرف في علم النفس باضطراب الوسواس القهري، ويتجلى في الإفراط في تكديس وتجميع المقتنيات، والصعوبة الكبيرة في اتخاذ قرار بشأن التخلص من الممتلكات الشخصية غير الضرورية، بما في ذلك الملفات الرقمية، مثل رسائل البريد الإلكتروني أو الصور أو النصوص وغيرها، والتي تتراكم في حياتنا اليومية.

وفق أستاذ للطب النفسي والعلوم السلوكية الحيوية في جامعة أمريكية، فإن مستخدم الهاتف الذكي قد يشعر بالارتباط العاطفي بالبيانات الرقمية ويكافح لتنظيمها أو حذفها، ما يؤدي إلى التوتر والقلق، وربما يتصل الأمر بالخوف من الحاجة إلى هذه المعلومات في مرحلة ما في المستقبل، رغم أنه قد لا تكون لدى المحتفظ بها القدرة على الوصول إليها ولا يعرف أين يجدها ساعة حاجته إليها.

وكما لاحظت مؤلفة «عبودية الكراكيب» أننا جميعاً نعاني مما تراكم في بيوتنا من زوائد، يلاحظ المختصون الرقميون أننا جميعاً نتعامل مع الفوضى الرقمية أكثر مما نعتقد، وللتخلص منها علينا تخصيص القليل من الوقت يومياً لحذفها، فلذلك فوائد كبيرة علينا من النواحي النفسية والمزاجية والإنتاجية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.