خلال الحرب الوحشية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على غزة، وقع الكثير من الجرائم التي ارتكبتها هذه القوات، والتي تصنف باعتبارها جرائم حرب، أو جرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية.
وقبل أن نتناول هذه الجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال عن عمد، لابد لنا أولاً من فهم توصيف هذه الجرائم في القانون الدولي، لا سيما مع اشتراك هذه المصطلحات في تعريف الجريمة نفسها، أحياناً كثيرة. فكما هو معروف يعتبر استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، أو تلك المستخدمة في مهمة من مهام المساعدة الإنسانية جريمة ضد الإنسانية، وجريمة حرب، ولكن السياق والنية وظروف الفعل تحدد ما إذا كان هذا الفعل جريمة حرب، أو جريمة ضد الإنسانية، أو إبادة جماعية.
والحقيقة أن الفوارق بين هذه المصطلحات صاغتها اتفاقيات ومعاهدات دولية، ورسّختها محاكمات عسكرية دولية، أبرزها محاكمات نورمبرغ التي عهد إليها محاكمة قادة ألمانيا النازية بعد الحرب العالمية الثانية، والقانون الدولي الإنساني، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
ويعد مصطلح «جريمة الحرب» مفهوماً أوسع بكثير من مفهوم «الإبادة الجماعية»، و«الجريمة ضد الإنسانية»، وقد وصفه ميثاق محكمة نورنبرغ العسكرية الدولية عام 1945 بأنه الانتهاكات التي ترتكب ضد السكان المدنيين، بما في ذلك القتل، أو المعاملة السيئة، أو الترحيل، إلى آخره من الممارسات التي قد تلجأ إليها القوات العسكرية خلال الحروب، ومن هذه الممارسات استخدام المدنيين كدروع بشرية. أما مصطلح دروع بشرية فهو مصطلح قانوني يعني استخدام مجموعة من الناس، مدنيين أو عسكريين، بهدف حماية منشآت حساسة في وقت الحرب، أو حماية القوات المسلحة ذاتها، وقد تأخذ الدرع البشرية أشكالاً مختلفة، مثل وضع رهائن أمام قوات متقدمة لمنع العدو من التصدي لها، وهو ما لجأت إليه قوات الاحتلال في كل من قطاع غزة، والضفة الغربية. حيث تناقلت وكالات الأنباء صوراً لهذه الجرائم، إذ قيدت قوات الاحتلال الإسرائيلي شاباً فلسطينياً جريحاً بمقدمة سيارة جيب عسكرية أثناء اقتحام مدينة جنين بالضفة الغربية المحتلة، كما أجبرت قوات الاحتلال أسرى فلسطينيين في قطاع غزة على التفتيش عن العبوات الناسفة في الأبنية المهدمة، وأدخلت أحدهم في أحد الأنفاق بعد ربطه وتثبيت كاميرا على جسده ما قد يعرضه للقتل في حال انفجار أحد الألغام التي قد تكون مزروعة في المكان، في مخالفة بينة للقانون الدولي الإنساني، الذي يحظر استخدام الدروع البشرية خلال الحروب، كما أن اتفاقيات جنيف لعام 1949 وقوانين المحكمة الجنائية الدولية ونظام روما الأساسي يتعامل مع هذه الممارسات باعتبارها جرائم حرب.
ويبيّن القانون الدولي الكثير من هذه الجرائم، منها القتل، أو الإصابة المتعمدة، أو التدمير أو شنّ اعتداء على سكان مدنيين، أو أعيان مدنية، أو إخضاع أشخاص لمعاملة مهينة، أو إجبارهم على القيام بأعمال تساعد بشكل مباشر، أو غير مباشر، العمليات العسكرية للعدو، وهو ما تمارسه قوات الاحتلال يومياً، ضد أبناء الشعب الفلسطيني سواء في قطاع غزة، أو الضفة الغربية.
والحقيقة التي باتت واضحة للعيان وأمام بصر وسمع العالم أجمع، هي أن قوات الاحتلال الإسرائيلي تقوم، وعن عمد، بارتكاب جرائم حرب، وبشكل يومي، متخطية بذلك كل الأعراف والقوانين الدولية، تحت غطاء تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية التي تتقاسم المسؤولية مع «إسرائيل» في هذه الجرائم غير المسبوقة في التاريخ، حيث تعد الولايات المتحدة أكبر داعم للاحتلال الإسرائيلي، بتقديمها مساعدات عسكرية له بمليارات الدولارات، وتبادل المعلومات الاستخباراتية المستمر بين الطرفين، فضلاً عن الغطاء السياسي الذي توفره للاحتلال، الأمر الذي يجعله يستخف تماماً، بالرأي العام الدولي، ويتحدى المجتمع الدولي، وقرارات مجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، ومحكمة الجنايات الدولية التي طالبت بإصدار مذكرات اعتقال بحق عدد من المسؤولين الإسرائيليين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يصر على استمرار الحرب، بل ويهدد بتوسيعها لأسباب سياسية، ولمصالحه الشخصية، وخوفه من المساءلة القانونية التي تنتظره في العديد من قضايا الفساد، والإخفاق الكبير الذي مُني به جيش الاحتلال في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول.
وهنا لا بدّ من التأكيد على أن الحرب التي يشنها جيش الاحتلال بأوامر شخصية من نتنياهو، تبدو الآن عملية انتقام وحشي من الفلسطينيين، أكثر منها ردة فعل عسكرية على عملية السابع من أكتوبر، حيث لا تفرق قوات الاحتلال، في حربها المسعورة هذه، بين حمَلة السلاح، أو العزل من النساء، والأطفال، والشيوخ، فضلاً عن استهداف المستشفيات وسيارات الإسعاف، وقطع كل مصادر الحياة بدءاً من الماء، والكهرباء، والدواء، وصولاً إلى التمهيد لحصول مجاعة حقيقية،في سبيل دفع أهالي قطاع غزة للرحيل عن أرضهم، وتمرير مشروع الترانسفير الإسرائيلي القديم، حيث لازمت فكرة ترحيل الشعب الفلسطيني من أرضه المشروع الإسرائيلي الاحتلالي الإجلائي منذ بدايته، رغم أن فكرة الترحيل هذه لم تأخذ بعد شكل برنامج معلن، لكنها تطفو على السطح بين حين وآخر، وفق ما يسمح به المناخ السياسي، كما هو الحال حالياً.