: آخر تحديث

السوسيولوجيّة السعودية

78
99
88

 خليفة علي السويدي 

لو قرأت تعريف السوسيولوجي sociology في جل القواميس ستجد أن معناها لا يبتعد كثيراً عن «العلم الذي يدرس المجتمع والقوانين التي تحكم تطوره وتغيره». والمملكة العربية السعودية تمر في هذا الزمن بحراك تجديدي، وإنْ كان الاقتصاد أول جذوة فيه إلا أن المجتمع كله دار في هذا المسار، فهناك روح جديدة تسري في المملكة، شهدها القاصي والداني، والسؤال المحوري هنا: هل هذا الحراك تصحيحي يأتي في العودة للأصول التي قام عليها المجتمع السعودي، أم أنه حراك ابتكاري يقوم على مبدأ التحرر من جذور الماضي والبدء من جديد في كتابة تاريخ معاصر للمملكة؟

عندما أعلن صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان آل سعود، ولي عهد المملكة العربية السعودية رؤية المملكة 2030 كتبت مقالاً لخصت فيه تلك الرؤية بعبارة «من الحفرة إلى الفكرة»، بمعنى أن الاقتصاد السعودي سيتحرر من مبدأ الاعتماد على النفط المخزن في الحفرة إلى اقتصاد يقوم على الفكرة التي تمثل العقل الإنساني بكل ما تحمله هذه الكلمة من إبداعات. والاقتصاد الناجح يحقق نتائجه في مجتمع العدالة، فالقانون الذي يطبق على خاصة الناس قبل عامتهم هو أحد أهم أسرار نجاح المجتمعات، إنها العدالة التي جعل الله احترامها يعلي من شأن المجتمعات وتجاوزها هدم لأهم عناصر البناء.

ولو أضفنا لهذا التحرك القانوني توجهاً مهماً لتطوير مؤسسات البناء الفكري للمجتمع السعودي، إنها التربية والتعليم والإعلام بكافة أنماطه، فمن تأمل في برامج الإصلاح الوطني في العالم، يجد أن مؤسسات بناء الفكر العام كالتعليم والإعلام لها دور لا يقل خطورة عن غيرها من المؤسسات السيادية، فهي إما أن تمثل منبعاً للتطوير أو حجر عثر يعيق كل التوجهات الحكومية، فالتعليم هو مصدر بناء لبنات العقول المبدعة، أما الإعلام فهو ما يمهد الطريق لهذه المشاريع، ويسهم في حراك المجتمع نحو تحقيق خططه الاستراتيجية، لأن إعلام العاطفة يختلف عن إعلام البناء.

ولأن المملكة العربية السعودية تمثل قبلة دينية لأكثر من مليار نسمة على كوكب الأرض، أضحى التوازن بين الثوابت والمتغيرات ركناً أساسياً في سسيولوجية التغير السعودي، فلا تستطيع المملكة عزل الأماكن المقدسة في بقعة صغيرة، مثلما فعلت أوروبا مع «الفاتيكان»، لأن هذا التوجه فيه تجاوز للخطوط الحمراء ليس لأمن المملكة فقط، لكن للمسلمين كافة، وكل دعوة لمثل هذه التوجهات ينبغي الوقوف صفاً واحداً ضدها، لكن المطلوب هنا مراجعة قيم المؤسسة الدينية لإعادة فكرها بما يتناسب مع الحراك المجتمعي السعودي. فالتوسع في تطبيق مبدأ درء المفسدة مقدم على جلب المصلحة ضيّق واسعاً، ووضع غشاوة على أعين بعض الفقهاء مما جعلهم يسردون كلاماً صح في وقته، وقد آن أوان الاجتهاد لما هو أفضل منه.

وأخيراً فإن المجتمع السعودي شاب في تكوينه الديموغرافي، واستثمرت المملكة في عقول الشباب كثيراً عبر التوسع في مشاريع التعليم العالي داخلياً، ووفق نظام الابتعاث للخارج، هؤلاء الشباب هم جذوة المستقبل للملكة، لكنهم في نفس الوقت يمثلون تحدياً خطيراً، فبسبب انفتاحهم على العالم أضحت المعايير الدولية للحياة الكريمة ماثلة أمام أعينهم، ولابد من الأخذ بيدهم في نهج يساعدهم في تحقيق أحلامهم كي تجد المملكة أن خططها وبرامجها لها جنود يدافع هؤلاء الشباب عنها بقناعة راسخة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد