حسن سلمان
شكّل مؤتمر الاستثمار الدولي مادة جديدة للخلاف بين مختلف الأطراف في تونس، ففي حين اتفقت أحزاب الائتلاف الحاكم والمعارضة والمنظمات الوطنية على ضرورة إنجاح هذا الحدث الاستثنائي الذي يعول عليه كثيرا في دفع عجلة الاقتصاد المتعثر في البلاد، رفض كل من اتحاد الشغل وهيئة المحامين اتهامهم من قبل البعض بمحاولة «إفشال» المؤتمر عبر تقديم صورة سلبية للأوضاع في البلاد بعد تمسكهما بالإضراب العام للتعبير عن رفضهما لمشروع قانون المالية لعام 2017.
وتستضيف تونس خلال يومي الثلاثاء والأربعاء مؤتمرا دوليا للاستثمار، ستحاول من خلاله استعادة مكانتها كوجهة استثمارية هامة في المنطقة بعد سنوات من التردي الاقتصادي ومغادرة مئات الشركات الأجنبية للبلاد إثر الاضطرابات السياسية والاجتماعية والأمنية.
ويأتي المؤتمر في ظل الاحتقان القائم ما بين الحكومة واتحاد الشغل الذي قرر الدخول في إضراب عام في الثامن من الشهر المقبل في حال عدم التزام الحكومة بتعهداتها بعدم تأجيل الزيادة في الأجور، فضلا عن قيام عدد من القطاعات الأخرى كالمحامين والأطباء والصيادلة والعاطلين عن العمل باحتجاجات أمام البرلمان التونسي، وهو ما دفع البعض إلى اتهام الاتحاد والمحامين بتقديم صورة سيئة للوضع في تونس وبالتالي محاولة «إفشال» هذا الحدث الاستثنائي الذي تعول عليها البلاد كثيرا لإنعاش اقتصادها المتردي.
إلا أن رئيس الكتلة الديمقراطية الاجتماعية في البرلمان سالم الأبيض اعتبر أن الحكومة التونسية ما زالت تشتغل وفق فكرة قديمة تعود إلى زمن الديكتاتورية وتتلخص بالنظر إلى الاحتجاجات على هامش المؤتمر وكأنها معادية لها «لأننا نلاحظ أن هناك قمما عالمية يحضرها زعماء دول العالم ويحتج فيها المجتمع المدني والسياسي بطرق سلمية، والمشاركون أنفسهم يعتبرون ذلك جزءا من المشهد الديمقراطي، وأعتقد أن الذين سيأتون إلى مؤتمر الاستثمار يعتقدون بشكل راسخ أن احتجاج المجتمع المدني والسياسي مشروع في كل ديمقراطية، ولا يرون أي حرج في احتجاج اتحاد الشغل أو المعطلين عن العمل أو المحامين، ولكن الساسة الذين ينتمون للدولة ما زال لديهم فكر ينتمي لعصر الاستبداد».
وأضاف في تصريح خاص لـ «القدس العربي» «أنا أرى أن اتحاد الشغل يدافع عن حضوره ومنخرطيه (عبر الإضراب)، فهناك تردٍ لمستوى المعيشة في تونس وعجز في القدرة الشرائية وتضخم هائل في البلاد وارتفاع كبير في الأسعار وتوسع في دائرة البطالة، وكل هذه العوامل تجعل الاتحاد يدافع عن منظوريه، كما أن قرار الإضراب يعود أساسا إلى 15 أكتوبر(تشرين الثاني) وليس 8 ديسمبر (كانون الأول) فعندما أرسلت الحكومة مشروع قانون المالية إلى مجلس النواب، منذ ذلك الوقت أعلن الاتحاد أنه يرفض قضية تجميد الأجور لسنة 2017 و2018 والتي وقع الاتفاق عليها مع الحكومة السابقة، أنا أرى أن المسألة عندما تطرح على الجلسة العامة ويتعمق النقاش، وتتشكل لجنة التوافقات، أرى أنه بالإمكان التوصل إلى حل بين الحكومة والاتحاد، والبرلمان سيكون هو الوسيط في ذلك عن طريق الجلسة العامة ولجنة التوافقات، وأعتقد أن هناك تصعيدا من قبل الاتحاد لتحسين شروط التفاوض، أكثر منها الوصول لمعركة كسر عظم بالمعنى الحقيقي بين الطرفين، كما كان يتم سابقا في عهد بورقيبة خاصة في أحداث 1978 أو 1985».
وكان الاتحاد قرر القيام بإضراب عام في الثامن من الشهر المقبل، إلا أن أمينه العام حسين العباسي اعتبر أن الإضراب لن يشوش على مؤتمر الاستثمار، فيما أصدر الاتحاد بيانا عبر فيه عن دعمه لمؤتمر الاستثمار، آملا أن تساهم هذه التظاهرة في «تحقيق تطلعات الشعب التونسي من أجل التنمية المستدامة الدامجة».
وكتب القيادي في حزب «التيار الديمقراطي» هشام العجبوني « لا يمكن أن نتمنى إلاّ النجاح والتوفيق للحكومة في المؤتمر الدولي للاستثمار ولها منّا كل الدعم! نتمنى كذلك أن تصبّ مشاريع البنى التحتيّة والمشاريع الاقتصادية التي وقع اقتراحها على المستثمرين في اتّجاه تقليص الهوّة بين الجهات وتحسين الظروف المعيشية في المناطق المهمشة! كما نتمنى أن يلتزم المستثمرون بتعهداتهم وألا تكون الاتفاقات المبرمة حِبرا على ورق!».
وأضاف «الفرصة مواتية الآن لتنقية مناخ الأعمال وإصلاح الإدارة وضرب البيروقراطية المقيتة وتحسين الحوكمة ومكافحة الفساد قولا وفعلا! بدون توفير هذه الشروط القَبَليَّة وبدون عدالة اجتماعية وعدالة في توزيع الثروة لن يكون بالإمكان دفع الاستثمارات الوطنية والأجنبية ولا تحقيق أي تنمية مستدامة في هذه البلاد!».
ونشرت محامية عائلات ضحايا الثورة ليلى الحداد على صفحتها في موقع «فيسبوك» صورا بانورامية لشهداء الثورة مرفقة بتعليق «مرحبا بكم في منتدى الاستثمار في تونس» (في إشارة إلى محاولة السياسيين الاستثمار بدماء الشهداء).
وانتقدت الحداد، خلال حديثها مع «القدس العربي»، محاولة البعض تحميل المحامين مسؤولية «فشل» مؤتمر الاستثمار بعد قرارهم تنفذيذ إضراب واعتصام أمام البرلمان. وأضافت «هذا غير صحيح، فالحكومة حددت موعدا لمؤتمر الاستثمار يتزامن مع التصويت للميزانية، وهذا فيه سوء نية، إذ لا يمكن أن نقوم بإضراب بعد التصويت (على قانون المالية) ويصبح هذا القانون حيث التنفيذ وبالتالي تصبح كل أشكال النضال غير مجدية، لذلك فعملية تعيين يومين لمؤتمر الاستثمار في الفترة التي يعرض فيها قانون المالية على البرلمان، تؤكد (كما أسلفت) سوء النية لدى الحكومة عبر اختيارها هذا التوقيت بالذات حتى تتعلل بأننا نحن المذنبين وأننا لا نريد خيرا لهذا الوطن».
وتابعت الحداد «بالعكس نحن نريد خيرا للوطن ولكن الخير للوطن بأبنائه، فنحن مع أن نستثمر ونبني هذه البلاد ولكن بدون إجحاف ووضع قوانين لقطع أرزاق الكثير من الناس، بمعنى أن عودة الاستثمار وإدارة العجلة الاقتصادية في تونس يجب ألا تكون على حساب حقوق الفقراء والطبقة المتوسطة التي ستكون عرضة للضغط من قبل قوانين سيتم تمريرها من قبل مجلس النواب خلال هذه الأيام مثل قانون المالية 2017.
وكتب الناشط الحقوقي مصطفى عبد الكبير (رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان) «ياسادة تعرفون أن الاستثمار الحقيقي في محاسبة الفاسدين والسراق؟ تعرفون ان7000 مليار (7 مليار دينار) فلوس التوانسة عند ما يسمى برجال أعمال ومستثمرين تحبوا، تجاوز الأزمات وتنقذوا الاقتصاد رجعوا الفلوس المنهوبة ياسادة ألا تعرفون أن حوالي 160موظفا الآن يتمتعوا بامتيازات وزير أو كاتب دولة (…) زيدوا عادة مصاريف مستشاريين ومكلفين بمامورية ولم يعملوا طول عمرهم، وسلمولي على هيبة الدولة والشفافية ومقاومة الفساد».
وكان حزبا «الاتحاد الوطني الحر» و»مشروع تونس» دعيا جميع أصدقاء تونس في العالم إلى دعم مؤتمر الاستثمار الدولي ومحاولة إنجاحه عبر تمويل المشاريع الكبرى المبرمجة خلال هذا المؤتمر (142 مشروعا).