سارة النومس
مشهد رجل يحتضر في سريره، يودع عائلته بدموع الألم وينتهز آخر دقائق حياته كي يتحدث معهم، لن يكون له متسع من الوقت كي يرى أولاده في سن المراهقة، أو بجانب زوجته عند توليها رعاية المنزل، ستعاني ويزداد حمل المسؤولية عليها، ليته يستطيع شراء سنوات من العمر.
في الوقت نفسه، يقف رجل في منتصف الثلاثينات على حافة نافذة في الطابق العشرين يودع الحياة التي حملته بما لا تستطيع نفسه أن تتحمله، على الرغم من أنه يتمتع بصحة جيدة وعقل واع لا يعاني أي إعاقة، لكن نفسه قد ضعفت جداً، أعلن الاستسلام ورخصت عليه حياته كي ينتهي به المطاف جثة في الأرض، سيعاني رجال الشرطة والإسعاف من رفع الجسد الرخو ومسح الدم الذي نزف من أنفه وفمه وأذنيه.
المشهدان هما من مشاهد الواقع، التعلق بالحياة عند البعض والتخلي عنها عند البعض الآخر. تذكرت كتاباً مشهوراً وجميلاً قد قرأته، قام الكاتب بترويج كتابه عن طريق سرد قصته عندما كان على وشك إنهاء حياته وطرأ في باله سؤال، هو الذي جعله يتراجع ويبدأ بتأليفه للكتاب، ربما تكون طريقة للفت الانتباه لا أكثر، ولكن لو كل شخص صبر قبل الإنهاء على حياته لوجد لحياته زاوية مظلمة تحتاج لمصباح كي يضيئها ليرى روعة ما فيها، الجميل في النفس البشرية هو عدم كماليتها، وامتلاؤها بالنقص، هناك رجل فقير سعيد جداً، على الرغم من تعاسة الفقر إلا أنه استطاع أن يطعم كلباً ضالاً، كان يخشى ألا يكون لديه ما يكفي من الطعام لإطعام الحيوانات المسكينة لذا كل يوم هو سعيد لهذا السبب.
بعض ممن أنهوا حياتهم كانوا يشعرون أن لا معنى لحياتهم، ويعددون الأسباب في ورقة مع اعتذار لكل من يفاجئ بموته. تعتقد بعض الحضارات أن الروح تلبس جسداً آخر لذلك يسهل على المعتقدين بهذا الاعتقاد إنهاء حياتهم والبحث عن حياة أخرى وهم ممن يعانون من ضغوطات عوائلهم لطلب إرسال الأموال. وهناك من يعتقد أن حياته تعتمد على وجود المادة فإن أفلس أنهى حياته بكل سهولة رافضاً العيش كفقير.
والعديد والمزيد من الأمثلة، هناك رابط بينها قد فقد وهو الذي دفعهم للانتحار، إنه (الإنجاز)، الأول كان ينجز ولم يحصل على التقدير العائلي فاعتقد أن ما يقوم به روتين عادي، والغني الذي فقد أمواله يعتقد أن الفقراء لا يملكون إنجازات في حياتهم.
إن الإنجازات تعطينا دافعاً معنوياً ومادياً للاستمرار في الحياة، ليس من الضروري أن يكون الإنجاز خارقاً كي يشعر الإنسان بقيمة ما يفعله.
الرجل الذي يحتضر في أول المقال، كان أهم إنجاز في حياته هو عائلته، لقد سعى لها ولتأسيسها واختيار الشريكة المناسبة، كانت حياته مثالية في نظره إلى أن زاره المرض المميت. قد يبرر بعض الضعفاء أن فشلهم في الحياة يعود إلى التنشئة في البيت وتفكك الأسرة في حين هناك أسماء عديدة لمخترعين ومنجزين في الحياة عانوا من التنشئة نفسها، الاختلاف هو قرارهم بألا يكونوا ضحايا وعبئاً على المجتمع.
الإنجاز إن كان صغيراً أو كبيراً فهو يحمل معنى التواجد في الحياة، وهو محفز للإنسان كي يشعر بالرضى والرغبة في عيش يوم جديد كي ينجز فيه.

