: آخر تحديث

هراء المستشارين - قسم تفكيك الخرافات العاطفية!

3
3
3

محمد ناصر العطوان

لماذا السفر والمفاجآت لا يُصلحان الزواج؟

إذا ذهبت لمستشار أو مستشارة علاقات زوجية، من الذين أخذوا «الكورس» التدريبي الذي مدته 16 ساعة ثم حصلوا على بطاقة «مستشار علاقات زوجية معتمد»، بالتأكيد ستسمع منه هذه النصيحة الخرافية... «سافروا مع بعض وكل شي راح يتصلّح!»

تخيل معي عزيزي القارئ، كل المجلات العائلية وبرامج التلفزيون و«المستشارين» يقدمون الوصفة ذاتها: سافر، قدّم مفاجآت، غيّر ديكور البيت... ستصبحان زوجين سعيدين!

لكن الإحصاءات تقول: معدلات الطلاق في ارتفاع مستمر! لماذا؟ لأن هذه النصائح مبنية على مشاعر وتجارب شخصية وليس على عِلم أو دين!

أخطر ما في هذه النصائح أنها وصفات جاهزة لمشاكل معقدة، ومقاس واحد يناسب جميع الأزواج والحالات، فرغم أن كل علاقة زوجية فريدة... لكن النصائح للأسف عامة... نصائح علاقات لا تراعي الفروق الثقافية والفردية.

مشكلة خبيرة العلاقات التي أتابعها في «الإنستغرام» أنها تقدم حلولاً سحرية لمشاكل متراكمة منذ أشهر أو سنوات، ثم تخبرك بكل ثقة أنكما كزوجين يمكن أن تحلا مشاكلكما كلها برحلة weekend!

علمياً التغيير الحقيقي يحتاج 3-6 أشهر من العمل المتواصل، أما التركيز على القشور فيصلح الأعراض وليس الأسباب.

والآن عزيزي القارئ، من حق كل قارئ لهذا المقال أن ينفجر غضباً قائلاً «لماذا لا تنجح نصائح مثل السفر وتغيير الجو»؟

عزيزتي القارئة، أعلمُ أنك تحبين السفر وتغيير الجو، وأعلم أنك تحبين البرندات وتصوير واجهات الفنادق، ولكن الموضوع ليس له علاقة بإصلاح حياتك الزوجية، ففي بحث من جامعة هارفارد (2022) يخبرنا أن الكثير من الأزواج يرجعون لمشاكلهم بعد العودة من السفر... أما معهد غوتمان، فيخبرنا أن السفر الموقت يرفع السعادة لحظياً، وتأثيره يختفي بعد أسبوعين!

لذلك السفر يُهربك من المشكلة، ولكنه لا يحلها! والمشاكل تنتظرك عند العودة + فاتورة الفندق!

عزيزتي خبيرة العلاقات الأسرية «اللي كل يوم نازلة ببوست غير علمي ولا عملي» الأسباب الحقيقية لنجاح العلاقات ليست في الترفيه ولا الاستهلاك والهدايا.

العلاقة الناجحة مبنية على التكامل في الأدوار، وفي دراسة جامعة كاليفورنيا، الأزواج المتكاملون في الأدوار نسبة نجاح علاقتهم 85 % كذلك العدالة في توزيع المهام والبحث عن «العدالة» وليس «المتعة»، وكثير من المشاكل الزوجية سببها عدم توازن الأدوار، وليس عدم السفر وشراء الهدايا.

الزواج لا يخلو من مشاكل، إدارة الصراع الصحية أهم للزوجين من معرفة جهة السفر المقبلة، فتعلّم «كيف تتهاوش في زواجك» بشكل صحي وإدارته بذكاء، أهم من تعلّم أسعار البرندات وأفضل المطاعم وأرقى وجهات الفنادق.

لن أخفي عليك سراً عزيزي القارئ، اذا قلت لك إنني أشعر بالغثيان من الخرافات الشائعة في نصائح العلاقات أو في المسلسلات الدرامية... فخرافة مثل «الحب كفيل بحل كل المشاكل» يكذبها نسب الطلاق الموجودة في وزارة العدل للأزواج الذين تزوجوا بمعرفة سابقة، والدين يقول إن المودة والرحمة هما المفتاح وليس الحب، والعلم يقول الحب ينتهي بعد مدة ويجب أن يتبعه عمل واستمرارية وجهد، وفي دراسة على أصدقائي، 60 % من الأزواج المتحابين ينفصلون بسبب سوء إدارة الخلافات.

يذكر معهد غوتمان، مفاهيم «فرسان الموت الأربعة» (The Four Horsemen) وهي (النقد، الازدراء، الدفاعية، المماطلة) هي المنبئات الأقوى للطلاق، وليس قلة السفر.

إن الحلول العلمية الحقيقية والوصفات المدعومة بأبحاث تساعد الأزواج على استمرار حياتهم، مع تقسيم الأدوار بوضوح وتحديد المسؤوليات بناء على القدرات والظروف والمرونة في التبادل حسب المتغيرات.

كذلك من المهم تطوير مهارات التواصل وتعلم الاستماع الفعال واستخدام لغة «أنا» بدل «أنت»... أما أهم درس تعلّمته فهو إدارة التوقعات وفهم أن الخلافات طبيعية وترك صورة «العلاقة المثالية» في الأفلام الهندية والمسلسلات التركية والرواية سيئة الحبكة.

أيضاً، من المهم بناء الذكاء العاطفي وفهم المشاعر وإدارتها التعاطف والمودة والرحمة مع شريك الحياة.

أما الحل الأخير والأهم فهو الاستشارة المهنية الحقيقية واللجوء لاختصاصيين مرخصين وليس «مستشارين» على السوشيال ميديا!

عزيزي القارئ، انظر حولك لدراسات حالة واقعية لكي تنقلك من الخرافة للحقيقة... الحالة الأولى، زوجان أنفقا 50 ألف دينار على عُرس وسفر ومفاجآت والنتيجة طلاق بعد 3 سنوات... والتشخيص كان عدم توازن في الأدوار المنزلية والتربية.

الحالة الثانية، زوجان بسيطان ركزا على توزيع المهام والتواصل... النتيجة 20 سنة من الاستقرار، والسر في الشراكة الحقيقية.

العلاقة الزوجية ليست رحلة سياحية، هي مشروع بناء مشترك! ابنوا ولا تهربوا، تواصلوا ولا تستهلكوا... تشاركوا ولا تتقاتلوا. وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله...أبتر... وكل ما لا يُراد به وجه الله يضمحل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد