: آخر تحديث

الدراجات.. والعودة للبيت مشياً

2
2
2

قد تبدو الدراجة اليوم رمزاً للراحة أو الصحة، لكن جذورها تعود إلى كارثة شهيرة، ففي عام 1815، ثار بركان جبل تامبورا في اندونيسيا بقوة هائلة، قاذفاً الرماد والغاز والغبار والصخور عالياً في الغلاف الجوي، واعتبر منذ يومها أكبر ثوران بركاني في التاريخ المعروف، فقد غطت سحبه الرمادية والسوداء الشمس في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى انخفاض درجات الحرارة وتدمير المحاصيل، وعُرف العام التالي منه بـ«عام بلا صيف»، حيث تساقطت الثلوج في أماكن عدة، وذبلت المحاصيل في أوروبا، وانتشرت المجاعة. وكان النقص كارثياً على الناس والحيوانات، ففي ألمانيا، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بشكل حاد، اضطر السكان لذبح الخيول للحصول على لحومها، وكان محتما أصلا أن تجوع وتموت بسبب نقص الأعلاف.

حفز النقص المفاجئ في وسائل النقل البعض للتفكير في وسيلة مختلفة، ومن عرض هؤلاء «البارون كارل فون درايس»، الذي قام عام 1817 باختراع آلة الجري، وهي عبارة عن هيكل خشبي بسيط بعجلتين، يمتطيه الراكب ويدفعه، باحدى قدميه على الأرض. وكانت فعالة، فسرعتها فاقت بكثير سرعة المشي، حتى على الطرق الموحلة، وأثبتت فعاليتها، وكانت تلك بداية التفكير في آلات أكثر تطورا، اعتمادا على الطاقة البشرية، حيث أضاف المبتكرون دواسات وتروساً وسلاسل لفكرة درايس، لتتحول آلة الجري إلى الدراجة الهوائية الحديثة، وكان البريطاني جون سترلي، عام 1885، صاحب أفضل تصميم لأول دراجة آمنة، والأقرب للدراجات الحديثة، بفضل نظام العجلات المتساوية والسلسلة.

ومع مطلع القرن الـ20، شهدت الدراجات ثورة صناعية، مع ظهور شركات عملاقة مثل «كولومبيا» الأمريكية، ورايلي البريطانية. أما اليوم فهناك عدد من أشهر منتجي الدراجات الهوائية عالمياً مثل جاينت التايوانية، وتريك الأمريكية، ذات التقنيات الحديثة، مع منتجين آخرين للدراجات المتخصصة للمحترفين، خاصة للجبال والمسابقات، وغيرها. وهكذا أدت كارثة أندونيسيا في القرن 19 لأن تصبح الدراجة جزءاً رئيسياً من النقل والرياضة والصناعة.

انطلقت أولى مسابقات الدراجات الهوائية في باريس، أواخر القرن 19، وتحولت إلى بطولة أولمبية في بداية القرن 20، ووسيلة نقل أساسية لطبقة العمال خاصة في المدن الكبيرة والمكتظة، واستخدمت في نقل البريد ودوريات الشرطة، وكانت دائما عنوان الصداقة مع البيئة.

من أفضل الدراجات الهوائية الرياضية لعام 2025 وأكثرها شهرة عالمياً، دراجة Specialized S-Works Tarmac SL8، المصنوعة من الكربون الخفيف جداً، وذات الهندسة المتقدمة للسباقات، وسعرها يتراوح بين 14.000 و15.000 دولار. وهناك دراجات أفضل تقنيا يبلغ سعرها 20.000 دولار. وأكثر الدول إنتاجاً للدراجات الهوائية في العالم هي الصين، حيث تنتج حوالي 70% من إجمالي عددها، وتأتي الهند بعدها وثالثا الاتحاد الأوروبي، وعلى رأسها البرتغال، حيث تنتج قرابة ثلاثة ملايين دراجة، سنويا. بينما يتجاوز إنتاج الصين 80 مليون دراجة، يُصدر جزء كبير منها.

* * *

كان أول عهدي بالدراجة الهوائية، قبل أكثر من سبعين عاما، عندما اخذني والدي بسيارته الموريس إلى منطقة الدهلة، خلف بناية جوهرة الخليج، حيث كانت توجد محال بيعها، واشترى لي دراجة من نوع فيليبس، وعاد لمحله. استغرق وصولي للبيت يومها ضعف الوقت المعتاد، مشيا، ووصلت بملابس ممزقة ومتسخة، وبضعة خدوش، والسبب أن والدي لم يسألني إن كنت أعرف قيادة الدراجة أم لا، لذا عدت بها مشيا، ووقعت من عليها مرات عدة، وأنا أجرب التحكم بها، دون أمل!


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد