: آخر تحديث

سرّ موقف الأيرلنديين المناهض للكيان الصهيوني

3
5
3

سلطان ابراهيم الخلف

عانى الأيرلنديون من الاستعمار البريطاني معاناة شديدة. فقد تعرضوا لسوء المعاملة، والاضطهاد الديني، لأنهم كاثوليك خلافاً للمستعمر البروتستانتي، وحرموا من حقوقهم السياسية، وعاشوا تحت الهيمنة البريطانية الكاملة، التي كانت تتصرّف بالموارد الطبيعية لبلادهم، وخاصة الزراعية منها، حيث سيطر البريطانيون على أراضيهم الزراعية، ومنحوهم مساحات صغيرة لم تكن كافية لتنويع محاصيلهم الزراعية، وهي بالكاد تفي بحاجتهم من إنتاج البطاطس التي كانت تمثل قوتهم الرئيسي الذي كانوا يعيشون عليه، ما تسبّب في مجاعة عرفت بمجاعة أيرلندا الكبرى في منتصف القرن التاسع عشر، عندما أصيبت البطاطس بآفة زراعية، أدت إلى وفاة ما يقارب ربع سكان جزيرة أيرلندا، وهجرة أعداد كبيرة منهم، هرباً من المجاعة. ولايزال الأيرلنديون يتذكرون تلك المجاعة ويحمّلون المستعمر البريطاني المسؤولية، لأنه لم يتخذ إجراءات كافية لإنقاذ أرواح الأيرلنديين الذين ماتوا تحت وطأة الجوع، حتى قال الكاتب الأيرلندي جون ميتشل «عندما يجلس الأطفال للأكل لا يرون في صحون عشائهم الزهيد إلاّ انعكاس مخالب إنكلترا»، وأضاف «الشعب الإيرلندي يتوقع المجاعة يوماً بعد يوم، وهي سياسة إنكلترا الطمّاعة والقاسية، وأن المجاعة كانت قتلاً عمداً للشعب الإيرلندي»، وبمعنى آخر محاولة لكسر إرادة الشعب الإيرلندي الذي يرفض الاحتلال البريطاني.

وحتى بعد قيام جمهورية أيرلندا، قاوم الأيرلنديون الشماليون الاحتلال البريطاني لأيرلندا الشمالية التي تعتبر جزءاً لا يتجزّأ من جمهورية أيرلندا المستقلة. كانت مقاومة مسلحة عنيفة، قادها الجيش الجمهوري الأيرلندي السرّي، مستهدفاً المصالح البريطانية، رغم إمكانيات الجيش المتواضعة، لكنه استطاع على مدى ثلاثة عقود أن ينتزع حقوقه العادلة بالقوة، فيما يعرف «اتفاق الجمعة العظيمة» 1993، بين جمهورية أيرلندا التي تقف إلى جانب حقوق الأيرلنديين الشماليين، وبريطانيا المحتلة، التي اعترفت بموجب الاتفاق بحقوق الأيرلنديين الشماليين المدنية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والتحرّر من التمييز، والتأكيد على المعاملة العادلة والمتساوية، وحق الاستفتاء حول انضمام أيرلندا الشمالية إلى جمهورية أيرلندا.

يرى الأيرلنديون الكيان الصهيوني كنموذج استعماري متوحش، لا يختلف عن النموذج الاستعماري البريطاني، الذي أوجد الكيان الصهيوني، الذي بدوره يقوم بتكرار الوسائل التعسفيّة نفسها للاستعمار البريطاني لبلادهم، بهدف إخضاع الشعب الفلسطيني، وبخاصة في غزة المحاصرة، من قتل بالآلة العسكرية، وتجويع، واضطهاد، وسلب للحقوق، ومسح للثقافة والتاريخ، الأمر الذي جعل الأيرلنديين خصماً عنيداً للكيان الصهيوني، حيث نجحوا في دفع حكومتهم الأيرلندية إلى مقاطعة المنتجات الزراعية الصهيونية، ناهيك عن المجهود الناجح الذي تبذله المؤسسات المدنية في تشجيع ونشر الوعي بالمقاطعة، والتذكير بالقاسم المشترك بين معاناة الفلسطينيين والأيرلنديين، وهو ما شجع الغالبية من الشعب الأيرلندي على المقاطعة الذاتية، وأدى إلى الحدّ بشكل كبير من النفوذ اليهودي الصهيوني في بلادهم.

كما تحاول أيرلندا وهي عضو في الاتحاد الأوروبي حث أعضاء الاتحاد على فرض عقوبات اقتصادية على الكيان الصهيوني، وإلزامه بإنهاء الاحتلال، وبالاعتراف بحقوق الفلسطينيين، وبالدولة الفلسطينية المستقلة التي أعلنت أيرلندا الاعتراف بها.

موقف مشرّف من جمهورية أيرلندا وشعبها في وقوفهما إلى جانب القضية العادلة للشعب الفلسطيني، والتصدي لسياسات العصابات الصهيونية المحتلة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد