إيلاف من دبي: بعد 15 عامًا من رئاسة باراك أوباما الأميركية، تبقى تداعيات سياساته في الشرق الأوسط ماثلة للعيان. فمقاربة أوباما لأزمات المنطقة، وقد تميزت بالأوهام والأخطاء الاستراتيجية، تفرض اليوم ثمنًا باهظًا، بحسب ما قال نيكولا تينزر، رئيس مركز الدراسات والتفكير في العمل السياسي (CERAP) والزميل الأول في مركز تحليل السياسات الأوروبية (CEPA)، لموقع "أتلانتيكو".
أي بداية جديدة؟
في عام 2009، ألقى أوباما خطابًا مشهورًا بالقاهرة، عنوانه "بداية جديدة"، عبر فيه عن استعداده للعمل مع الحركات الإسلامية "المعتدلة" نسبيًا. كانت الفكرة هي التحالف مع الجماعات الإسلامية التي يمكن تقديمها على أنها أكثر اعتدالًا مقارنة بالتنظيمات الأصولية كالقاعدة. مع ذلك، "استند هذا النهج إلى افتراض معيب ولم يكن له سياسات ملموسة. فقد فشل في معالجة تعقيدات المنطقة وقدّر بشكل غير صحيح خطورة دعم الحركات الإسلامية"، بحسب تنزر. ولم تبن تلك السياسة استراتيجية متينة في الشرق الأوسط لمكافحة الإرهاب.
وكانت إحدى نقاط التحول الرئيسية في سياسة أوباما في الشرق الأوسط هي قراره عدم التدخل في سوريا بعد الهجمات الكيميائية التي نفذها النظام السوري في عام 2013 ضد معارضيه. كان لهذا القرار عواقب خطيرة، إذ أدى إلى زيادة كبيرة في عدد الضحايا مع تصعيد النظام السوري، بدعم من إيران وروسيا، قمعه. لم يؤد غياب التدخل إلى إرسال إشارة ضعف فحسب، بل قوّى العدوانية الروسية ومكّن نظام الأسد من ارتكاب المزيد من الجرائم، "كما ساهم عدم الاستجابة للهجوم على أوكرانيا في التدخل المباشر لموسكو في سوريا، وسجلت آثار هذه القرارات بداية تراجع القوة الأميركية في المنطقة، بحسب تنزر.
ذاك الاتفاق التاريخي
في عام 2015، توصلت إدارة أوباما إلى اتفاق تاريخي مع إيران بشأن ملفها النووي. كان التركيز الأساسي هو منع إيران من امتلاك أسلحة نووية. مع ذلك، في سعيها إلى تحقيق هذا الهدف، "قدمت الولايات المتحدة تنازلات على حساب الشرق الأوسط، ما أضعف الحلفاء الإقليميين مثل السعودية والإمارات، وساهم في توسع نفوذ إيران في دول مثل لبنان والعراق. يقول تنزر: "أدى غض الطرف تجاه أعمال إيران في المنطقة إلى نتائج مدمرة".
أما قرار أوباما تعليق انسحاب القوات الأميركية من أفغانستان في عام 2015، فكان قضية معقدة. يقول تنزر لموقع "أتلانتيكو": "كان التدخل الأولي في أفغانستان بعد هجمات 2001 ضروريًا، لكن الإدارات الأميركية المتعاقبة أخفقت في وضع استراتيجية واضحة على المدى الطويل. غياب الأهداف المحددة وعدم التواصل في إعادة بناء هياكل الدولة سمح لطالبان باستعادة قوتها. أدى انسحاب القوات الأميركية بشكل متسرع في عهد الرئيس جو بايدن إلى تقويض المزيد من الاستقرار في المنطقة، وأضر بسمعة أميركا".
أضعفت سياسات أوباما الموقف الأميركي في الشرق الأوسط، وبرز عدم الجدية في التدخل في قرارات السياسة الخارجية في المنطقة، ما أدى إلى تقليل التأثير الأميركي وخلق فراغ تسعى القوى الأخرى مثل الصين لملئه. وفي حين تويد الصين تأثيرها في الشرق الأوسط، "تبقى الولايات المتحدة مزودًا أمنيًا أساسيًا، لكن الانسحاب السياسي والنهج غير المتسق يقيد قدرتها على تعزيز تأثيرها بفعالية"، بحسب تنزر، الذي خلص إلى أن سياسة باراك أوباما في الشرق الأوسط، القائمة على الأوهام والأخطاء الاستراتيجية، تساهم اليوم في زعزعة استقرار المنطقة.
أعدت "إيلاف" هذا التقرير عن موقع "أتلانتيكو" الفرنسي