شهد اليوم الثاني من المؤتمر الدولي حول التعليم الأولي في العاصمة المغربية الرباط مداخلات لخبراء يمثلون فرنسا، مقاطعة الكيبك الكندية، السنغال، والصين، والتي تمحورت في مجملها حول خصوصيته، والأهداف المتوخاة منه باعتباره مرحلة أساسية في مسار أي طفل قبل التحاقه بالتعليم الأساسي في المؤسسات التعليمية.
إيلاف من الرباط: أشار إيرفي كيو، مدير المعهد الفرنسي في المغرب إلى أن التعليم الأولي في فرنسا يبدأ انطلاقًا من سن الثانية، وهي سنّ متقدمة جدًا، يسهل معها التعامل مع المقبلين على هذه المرحلة التي تؤسس لشخصية وتفكير التلميذ مستقبلًا.
التجربة الفرنسية
بالرجوع إلى السياق التاريخي لظهوره، أفاد كيو أن الثورة الصناعية التي شهدتها البلاد فرضت وجود يد عاملة تعنى بالأطفال في سن صغيرة، مما استدعى العمل على تكوين معلمين ومعلمات للعمل في المجال.
كما أشاد المتحدث بأهمية التعليم الأولي، لكونه يساهم في حصول الأطفال على مستوى دراسي جيد مستقبلًا، معتبرًا أن غالبية من يستفيدون منه ينتمون إلى أسر ميسورة ماديًا، باعتبار أن الخدمات التي يتم تقديمها لا تتم بطريقة مجانية.
ونوه كيو بالعمل الذي تقوم به مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة، لكونها تركز على الأطفال في القرى والمناطق النائية، وتسعى إلى إدماجهم بشكل ملحوظ في التعليم الأولي أسوة بأطفال المدن الكبرى.
ومن أجل تقديم إيضاحات أكثر حول التجربة الفرنسية، أشارت آن سيمون، مفتشة تربوية أن التعليم الأولي يعتبر حلقة أساسية ضامنة لنجاح المسار الدراسي للمقبلين عليه، كما إنه ينمّي القدرات الشخصية للطفل، ويجعله قادرًا على العيش والتعلم بشكل سلس ضمن إطار جماعي.
تؤكد سيمون "100 في المائة من الأطفال الفرنسيين يقبلون عليه في سن الثالثة، في حين تبلغ نسبتهم 13 بالمئة في سن تتراوح ما بين سنتين و3 سنوات".
التجربة السنغالية
اعتبر عصمان ديوف، مدير التعليم الأولي في السنغال أن الاستعمار قام بإدخال ثقافة التعليم الأولي في البلاد، لتهتم به الدولة لاحقًا من خلال المشاريع التي يتم إطلاقها، والتي تحظى باهتمام ومتابعة رئيس البلاد وبقية المسؤولين عن القطاع.
وأكد أن التعليم الأولي كان يعاني قبل سنة 2000 من وجود سياسة واضحة تجاه تعميمه، خاصة في السنوات الثلاث الأولى من عمر الطفل، ليتحول الأمر تدريجيًا بشكل إيجابي بعد ذلك، بوضع رؤية تستهدف إدماج الأطفال في السنوات الست الأولى، ومع حلول سنة 2010، أضحت وزارة التربية الوطنية الوصية على القطاع ووزارة الأسرة يعملان بشكل مواز للنهوض به.
تجربة مقاطعة الكيبك
قالت مونيك إيبير، الخبيرة في مجال التربية إن مقاطعة الكيبك الكندية توفر نوعين من الخدمات في مجال التعليم الأولي، حيث تقدم وزارة التعليم خدمات مجانية، باستثناء خدمة الرعاية النهارية التي يحظى بها الأطفال في محيط المؤسسة التعليمية، في حين تقدم وزارة الأسرة خدمات لفائدة هؤلاء الناشئة، بمساهمة مادية من طرف أولياء الأمور.
واعتبرت أن المقاربة التعليمية في هذا الإطار بالنسبة إلى كندا تظل صعبة التشخيص بالنظر إلى كبر البلاد، وخصوصية التعليم الأولي المقدم، والذي يتميز بوجود تنوع ثقافي هائل.
التجربة الصينية
من جهتها، اعتبرت الفاعلة الجمعوية الصينية شين سيانغ، والتي تنشط في مجال التعليم الأولي في القرى، أنه يعاني من قلة المكونين، والذين في الغالب يلجونه كهواة، وليس عن طريق تلقيهم مبادئ وأساسيات، لكي يكونوا على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم تجاه جيل جديد.
تضيف: "في غالبية الأحيان في المناطق القروية في الصين، يضطر أولياء الأمور للهجرة نحو المدينة للعمل وتحسين ظروف حياتهم، وترك أبنائهم برفقة الأهل والعائلة، حيث يتكفل بهم الأجداد بشكل كبير، في ظل معاناتهم مع مشاكل صحية واجتماعية تحول دون الاعتناء بهؤلاء الأطفال".
وتعتبر الفاعلة الصينية أن عمل الجمعيات والمتطوعين في هذا الإطار يظل أساسيًا، حتى يحصل أطفال قرى الصين على تعليم بجودة تضاهي تلك التي يتلقاها نظراؤهم في المدينة.
التجربة البلجيكية
وأكدت إيلودي بينيون، مستشارة في مجال التعليم ومديرة المدرسة البلجيكية في الدار البيضاء أن التعليم الأولي يمثل الرابط الحقيقي بين العائلة والمدرسة، وهو أفضل وسيلة تمكن الطفل من محاربة الفشل والهدر المدرسي.
وحول الإيجابيات التي يمثلها، أوضحت الخبيرة البلجيكية أنه ينمّي روح المسؤولية والمبادرة لدى الطفل، ويمكنه من اكتساب الثقة في ذاته وقدراته، ويطوّر تنشئته الاجتماعية، كما يساهم في الكشف عن المشاكل والمعوقات التي تعترض مساره، ويحاول تصحيح مختلف مكامن الخلل التي يعاني منها.
وأوضحت أن المسؤولين في بلجيكا واعون جيدًا بأهميته، لذلك من الضروري أن يحصل العاملون في القطاع على تكوين لمدة 3 سنوات، حتى يكون بمقدورهم التعامل مع الأطفال.
وشهدت الرباط على مدار يومين مداخلات لخبراء مغاربة وأجانب حول التعليم الأولي في مؤتمر دولي، تحت شعار "تعميم التعليم الأولي بالمغرب: بين الإنصاف والجودة"، والذي نظم من طرف مؤسسة البنك المغربي للتجارة الخارجية للتربية والبيئة، برعاية العاهل المغربي محمد السادس.