: آخر تحديث

أشجار شمال الإكوادور... تثمر موسيقى

55
36
58
مواضيع ذات صلة

تشالغواياكو (الاكوادور): لا تكتفي أشجار الفاكهة في منطقة تشالغواياكو بجبال الأنديس في شمال الإكوادور بإنتاج ثمارها، إذ هي أيضاً بمثابة آلات موسيقية طبيعية، تُصدر أصواتاً عذبة، في مشهد قريب إلى السحر.

يستعد المزارع إيسيدرو ميندا للتدرّب، فيضع في فمه ورقة خضراء يمسكها بين يديه الخشنتين، إذ هو أحد موسيقيي "باندا موتشا"، وهي فرقة من نمط مختلف عن السائد، عمرها مئة عام لكنها اليوم مهددة بالانقراض.

وينتمي أعضاء الفرقة الأحد عشر إلى قرية تشالغواياكو الأفرو-أنديسية في مقاطعة إمبابورا التي يتحدر عدد كبير من سكانها من العبيد الأفارقة. ومن بين هؤلاء الموسيقيين الهواة الذين تدربوا وفقاً للتقاليد، خمسة يعزفون بواسطة ثمار القرع الطويلة المجوفة، وثلاثة بأوراق الشجر، والآخرون بأدوات تقليدية مثل الطبل.

أخذت الأوركسترا اسمها من تعبير "موتشر" الذي يعني في الإكوادور القطع أو التمزيق، وهو ما يفعله إيسيدرو ميندا بأوراق الليمون أو المندرين اليوسفي أو الغوافة ورفاقه بالقرع بهدف تحويلها آلات موسيقية.

ويسير إيسيدرو ميندا (66 عاماً) بين شجيرات مزرعته الصغيرة، ويتفحص بيديه أوراق هذه أو تلك منها، حتى يتوصل إلى اختيار ورقة الليمون المناسبة، ثم يبدأ بالتدرّب على لحنه المقبل التالية.

ويشرح أن الأوراق "يجب أن تكون طرية جداً، فإذا كانت خشنة، لا يمكن العزف بها".

تعلّم ميندا استخراج الأصوات من الطبيعة منذ أن كان في الخامسة والعشرين. وتصدح الأوراق في فمه الأوراق كما لو كانت آلة كلارينيت. عندما يتوقف عن العزف، يحتفظ ببعضها في كيس مملوءٍ ماءً لكي لا تذبل، حتى يتمكن من استخدامها في يوم آخر.

وتحيي "باندا موتشا" قريباً عيد شفيع تشالغواياكو، وهي قرية يبلغ عدد سكانها ألفَي نسمة يلتقي فيها عالمان صوتيان، عالم ثقافة الأنديس، وعالم العبيد الآتين من إفريقيا، على ما يلاحظ عالم الموسيقى العرقية خوان مولو.

ويقول إن هذه الموسيقى تجعل "الجسد يهتز"، و"الجسد هو الأداة" بالنسبة إلى "باندا موتشا".

ويعرّف إيسيدرو ميندا وسيغوندو ييبيز وتوماس كارابال عن أنفسهم بأنهم "رجال أوراق الشجر"، وبأنهم قادرون على استخراج الصوت من أوراق الأشجار الرقيقة جداً.

وعلى وقع الضرب على الطبل، يصل أفراد الفرقة واحداً تلو الآخر إلى ساحة تشالغواياكو المركزية. لم يكن الصباح قد طلع بعد لكنّ الرجال الأحد عشر كانوا يستعدون لتقديم استعراض الأحد أمام أبناء البلدة.

ويقول آبدون فاسكيز (78 عاماً) إنه يفضّل الموت والآلة في يده، وهو يعزف الموسيقى كما يفعل منذ ثلاثين عامأً.

إلا أن الأوركسترا غير المعروفة في الخارج، قد تزول من الوجود.

فعازفا الناي والصنج فارقا الحياة من دون أن يؤمنا بديلاً أو يورثا مهارتيهما لمن بعدهما. ففي هذه القرية الواقعة في وادي تشوتا القاحل ، يصعب إيجاد شباب يرغبون في الحفاظ على هذا التقليد.

ويفضّل هؤلاء أن يتطوعوا في الشرطة، أو أن يصبحوا جنوداً في الجيش، والأهم أن يصبحوا لاعبي كرة قدم ، في هذه المنطقة التي قاد لاعبو فريقها منتخب الإكوادور إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولى عام 2002. ومن جهة ثانية، الموسيقى مرادفة للفقر.

يقول جوليان غارسيا الذي اضطر لاعتزال العزف على الأوراق بعدما فقد أسنانه الأمامية "يحزنني أن أرى أن ثقافتنا تضيع مع موت أعضاء الأوركسترا".

أما صديقه إيسيدرو الذي لا يوجد من يخلفه أيضاً، فيلخص مخاوف الموسيقيين بقوله إن أحد أحفاده كان مهتماً، لكنه غادر بعد ذلك إلى كيتو ، وأن القصة انتهت عند هذا الحد.

في الأيام الجيدة، يمكن أن تكسب الأوركسترا ما يصل إلى 800 دولار في مقابل كل استعراض، ولو أن كسب المال ليس هدف أعضائها.

في العام 2014، زاروا كوبا بفضل الدعم الحكومي، وقدموا فيها استعراضاً لاقى استحساناً كبيراً.

يقول آبدون فاسكيز "إنها أهم لحظة من السعادة أتذكرها خارج بلدنا. كان الإخوة الكوبيون مشدوهين".

قريباً، تقدّم الفرقة فنها بمناسبة عيد شفيع القرية. ومع أن ليس لأعضائها من يتسلم منهم الشعلة، فإن ثمة جمهوراً لا يزال يصفق لهم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في لايف ستايل