إيلاف من بيروت: "كل دعاية، حتى لو كانت سيئة، هي دعاية جيدة!" — هذه المقولة وجدت تجسيدها الحقيقي في تلك اللحظة التي تعثّرت فيها عارضة الأزياء العالمية نعومي كامبل خلال عرض "أنغلوومانيا" للمصممة البريطانية فيفيان ويستوود في باريس عام 1993. لكن المفارقة؟ تلك السقطة جعلت منها أسطورة لا تُنسى في ذاكرة الأزياء العالمية.
ففي عمر الثالثة والعشرين، وبينما كانت ترتدي زوجًا من أحذية "Super Elevated Ghillie" الشهيرة بارتفاع كعب يبلغ نحو 21 سنتيمترًا، سقطت كامبل على منصة العرض. اللحظة وثقتها عدسات الصحفيين من كل زاوية، لكنها بدلاً من أن تضعف مسيرتها، حولتها إلى حديث الموضة العالمي.
وفي لمحة فريدة عن تعامل عالم الموضة مع السقطات، انهالت الدعوات من مصممين آخرين على كامبل، طالبين منها إعادة السقوط خلال عروضهم!
@britishvogue #NaomiCampbell on her infamous fall during #VivienneWestwood ♬ original sound - British Vogue
عندما تتحوّل الأحذية إلى قطعة متحفية
الحذاء الشاهق الذي تسبب في السقوط الشهير لا يزال يُباع بنسخة مشابهة مقابل 1125 دولارًا، فيما دخل النسخة الأصلية التاريخ من أوسع أبوابه. فاليوم، يُعرض في متحف فيكتوريا وألبرت بلندن، وقد كُتب اسم "Naomi" داخل نعله بقلم حبر أزرق.
استوحت فيفيان ويستوود تصميمه من أنماط القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، واختارت له جلد التمساح الصناعي باللون الأزرق الفاقع، مع شرائط حريرية تلف الكاحل.
وفي العام 2024، عاد الحذاء للواجهة ضمن معرض "Naomi" الذي نظّمه المتحف احتفالًا بمرور 40 عامًا على مسيرة كامبل في عالم الموضة.
"سقوط الظبيّ" الذي أدهش الجميع
في لقاء جمع بين فيفيان ويستوود وكامبل عام 2019 لمجلة Vogue البريطانية، ألقت المصممة اللوم على الجوارب المطاطية البيضاء التي ارتدتها كامبل، مؤكدة أن التصاق فخذيها بها جعل التمايل على الكعب الحاد مسألة وقت.
قالت ويستوود:
"يكفي تمايل بسيط لتقعي أرضًا."
ثم شبّهت تلك السقطة بما وصفته بـ"سقوط ظبيّ رشيق".
من جهتها، أوضحت كامبل في فيديو لمجلة Vogue عام 2024 أنّها لم تكن تشعر بأصابع قدميها بسبب الجوارب. وأضافت، ممازحة:
"لم يكن الوقت مناسبًا للسقوط... كان ذلك الوقت من الشهر"
رغم كل ذلك، عادت كامبل في اليوم نفسه إلى الكواليس، خلعت الجوارب، وطلبت من ويستوود أن تسندها في حال سقطت مجددًا. أُعطيت عصا للمشي، لكنها رفضت استخدامها وأمسكت بها عند خصرها، في تحدٍ كامل للموقف.
من الصحف إلى متحف الملكة
في اليوم التالي، توجهت كامبل برفقة كيت موس وليندا إيفانجيليستا إلى كشك صحف في باريس لشراء النسخ التي وثّقت لحظة السقوط، وروت ضاحكة:
"كنا نضحك كثيرًا على الصور... خطوة بخطوة."
المثير أن متحف V&A لم ينتظر طويلًا، إذ قالت أمينة المعارض إليزابيث موراي إنهم تواصلوا "فورًا تقريبًا" مع دار ويستوود للحصول على الحذاء، واصفةً ما حدث بأنه
"لحظة تاريخية في الموضة."
وفي قصاصة محفوظة في ملف الحذاء بالمتحف، نُقل عن الملكة إليزابيث الثانية قولها إنها لم تُفاجأ بسقوط كامبل، فيما قال الأمير فيليب:
"يبدو كأن شخصًا يمشي على عكازين عاليين!"
تنورة التارتان، والريش الوردي، وذاكرة لا تُنسى
إطلالة كامبل لم تقتصر على الحذاء، بل كانت ترتدي أيضًا تنورة تارتان مصممة خصيصًا للمناسبة من مصنع "لوككارون" الاسكتلندي، إلى جانب وشاح من الريش الوردي الزاهي. هذه العناصر أصبحت هي الأخرى جزءًا من الإرث البصري لسقطة 1993.
وقد أُدرج نسيج التارتان الذي ارتدته كامبل في السجل الرسمي للتارتان في اسكتلندا. وجاء في وصفه:
"اشتهرت نعومي كامبل بسقوطها على منصة العرض أثناء ارتدائها تنورة من هذا النمط."
سقوط تجاري؟ نعم، وأكثر!
خلال مقابلة مع ديفيد ليترمان في التسعينيات، علّق على الحادث قائلًا:
"كنتِ على وشك كسر كاحليكِ... لم يتدخل أحد لمساعدتك."
ردّت كامبل بابتسامة:
"لم يتحرك أحد... لكن عندما بدأت أضحك، ضحكوا معي."
ومن تلك السقطة، حصدت كامبل إعلانين تجاريين، كما بدأ متحف V&A لاحقًا ببيع مغناطيسات تذكارية توثّق لحظة سقوطها (نفدت حاليًا من المتجر).
وفي عام 2013، وخلال ظهورها في برنامج جوناثان روس، فاجأها المضيف بنسخة طبق الأصل من الحذاء، فارتدته، تعثرت للحظة... لكنها أكملت المشي بثبات.
النهاية التي لم تكن نهاية
واليوم، ورغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على تلك الحادثة، لا تزال نعومي كامبل تتحدث عنها بروح عالية. في أحد تصريحاتها الأخيرة ضمن المعرض الذي خُصص لها، قالت:
"تلك السقطة جزء مني... أتحمّلها بكل فخر."
لكن هل ستعيد كامبل السقوط على منصة العرض؟
أجابتها ويستوود بصرامة ذات مرة:
"قلت لا، مستحيل... فهذا يتعارض مع كل ما أمثله. أنا لا أقع عن قصد."