إيلاف من سان فرانسيسكو: “جهاز يسجّل أحلامك ويعرضها عند استيقاظك”، هذا هو العنوان الذي اجتاح وسائل التواصل في الأيام الأخيرة، متبوعًا بعبارات مثيرة عن اختراع انقلابي يمزج بين الذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا الدماغ. لكن، ما مدى دقة هذا الادعاء؟ وهل وصل العلم فعلًا إلى هذه المرحلة؟
البداية تعود إلى تجارب علمية حقيقية انطلقت في مختبرات مرموقة، كان أبرزها تجربة جامعة بيركلي في كاليفورنيا عام 2011، حيث استخدم العلماء تقنيات تُعرف باسم fMRI، وهي اختصار لـ Functional Magnetic Resonance Imaging، أو “الرنين المغناطيسي الوظيفي”. هذه التقنية تقيس تدفّق الدم داخل مناطق الدماغ، وتُستخدم لفهم كيف تتفاعل أجزاؤه مع المحفزات المختلفة أثناء التفكير أو المشاهدة.
في تجربة بيركلي، طلب الباحثون من المشاركين مشاهدة مقاطع فيديو قصيرة، ثم قاموا بتحليل النشاط الدماغي المرتبط بتلك المشاهد. بعد ذلك، استخدموا نماذج حاسوبية متطورة لمطابقة أنماط هذا النشاط مع صور مرئية. النتائج كانت مثيرة: صور ضبابية، لكنها تعكس بشكل تقريبي ما رآه الشخص فعليًا.
بعد أكثر من عقد، وفي عام 2023، قدّم فريق بحثي في جامعة أوساكا باليابان، بقيادة الدكتور شينيا تاناكا، تجربة أكثر دقة. استعانوا بنماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي مثل “Stable Diffusion” لتحويل بيانات fMRI إلى صور مرئية، ما جعل الصور الناتجة أقرب للواقع من التجارب السابقة.
ومع ذلك، لا توجد حتى الآن أي تجربة علمية موثوقة استطاعت تسجيل حلم حقيقي أثناء النوم العميق أو عرضه كما لو كان فيلمًا. الأحلام أكثر تعقيدًا من أن تُقرأ كصور فقط، فهي مزيج من مشاعر وأفكار ورموز غير مرتبة، وغالبًا ما تختلف كليًا عن الصور التي نراها أثناء اليقظة.
إضافة إلى ذلك، معظم الأبحاث تجرى على أشخاص مستيقظين، أو في حالة وعي جزئي، ما يعني أن ما نراه ليس “حلماً”، بل إعادة بناء لمحتوى مرئي شاهده الشخص سابقًا. التحدي الأكبر هو الدخول إلى الأحلام الحقيقية التي تحدث في مرحلة نوم تُعرف بـ REM (حركة العين السريعة)، حيث يكون الدماغ في حالة نشاط معقدة يصعب فك رموزها بدقة حتى الآن.
رغم كل هذه التحديات، يرى العلماء أن هذه التجارب هي خطوة أولى نحو فهم أعمق للعقل البشري، وقد تمهد الطريق في المستقبل لتحليل الأحلام وربما الاستفادة منها في تشخيص حالات نفسية أو عصبية.
أما ما يُتداول حاليًا في وسائل الإعلام ومواقع التواصل، فهو غالبًا تفسير مبالغ فيه أو خيالي لتجارب علمية حقيقية لكنها ما تزال في مراحلها المبكرة. لا يوجد جهاز سحري يسجّل أحلامك بدقة، ولا عرض فوري لها على شاشة عند الاستيقاظ.
لكن، في عالم تتقدم فيه التقنية بهذا الشكل المتسارع، قد لا يطول بنا الانتظار كثيرًا قبل أن نرى نسخًا أولية من تقنيات تقرأ ملامح ما يدور داخل أدمغتنا أثناء الحلم.