إيلاف من سان فرانسيسكو: وسط ضجيج التقدّم التقني، من السهل أن نعتقد أن الذكاء الاصطناعي لا ينسى شيئاً، فهو "روبوت"، أليس كذلك؟ لكن الواقع يختلف. أنظمة الذكاء الاصطناعي، وخاصة تلك المبنية على نماذج لغوية ضخمة مثل ChatGPT وBard، قد تنسى فعلاً، أو تتجاهل معلومات سابقة، أو حتى تتصرف وكأنها فقدت الذاكرة مؤقتاً!
في بعض الحالات، لو طلبت من الذكاء الاصطناعي شيئاً بالأمس، ثم كررت نفس الطلب اليوم، قد يعطيك إجابة مختلفة أو ينكر معرفته بالسياق السابق. هذا لا يعني أنه "نسي" بالمعنى الإنساني، لكن الأمر متعلق بكيفية إدارة البيانات المؤقتة، وسعة الذاكرة، والسياسات المتعلقة بالخصوصية.
في نموذج مثل ChatGPT، توجد ذاكرة طويلة الأمد يمكن أن "تتذكر" أشياءً عن المستخدم، لكن هذه الذاكرة تحتاج إلى تشغيل يدوي أو تخصيص. أما في النسخ العادية، فإن المحادثة تنتهي بانتهاء الجلسة. أما Google Bard، فهو يعاني من مشكلة مختلفة؛ فقد تم رصد حالات يفقد فيها المحادثة السابقة تماماً، كما لو أنك تتحدث مع شخص يعاني من فقدان ذاكرة مؤقت!
وحتى الأنظمة الأكثر تطوراً، مثل روبوتات الدعم الفني المعتمدة على الذكاء الاصطناعي، تواجه نفس المشكلة: النسيان المؤقت أو فقدان السياق، مما قد يؤدي إلى إجابات غير منطقية أو متكررة.
لكن لماذا يحدث هذا تقنيًا؟
الأسباب عديدة، منها:
سعة السياق (Context Window): كل نموذج ذكاء اصطناعي لديه حد معين لكمية المعلومات التي يستطيع الاحتفاظ بها في الذاكرة القصيرة. عند تجاوزه، يتم حذف الأقدم تلقائيًا.
فصل الجلسات (Stateless Interaction): كثير من التطبيقات تفصل كل محادثة عن الأخرى لأسباب تتعلق بالخصوصية أو الكفاءة، مما يجعل النموذج يبدأ من نقطة الصفر في كل مرة.
غياب التخزين المستمر: النماذج اللغوية لا تقوم عادة بتخزين المعلومات بعد كل تفاعل، إلا في حالات مخصصة ومدروسة، للحفاظ على الحيادية ومنع تسريب البيانات الشخصية.
قيود التدريب: النموذج يتعلّم من بيانات سابقة لكنه لا يملك آلية تلقائية لتحديث معرفته لحظيًا إلا عبر تدريبات جديدة تستغرق وقتًا وموارد.
توازن الأداء والذاكرة: لكي يبقى النموذج سريعًا في الردود، يتم تقليص كمية "الذاكرة" التي يستخدمها في كل إجابة، وهو ما يؤدي إلى تجاهل أو فقدان بعض التفاصيل.
وفي ظل هذا كله، لا بد من التوقّف عند الفكرة الرائجة: هل سيحل الذكاء الاصطناعي محل الإنسان بالكامل؟
الجواب ببساطة: لا.
رغم تقدّمه الكبير، إلا أن الذكاء الاصطناعي يفتقد لعدة عناصر أساسية لا يمكن تعويضها، منها:
الوعي الذاتي: الآلة لا تملك إدراكاً داخلياً لما تفعله، ولا تفهم المشاعر أو النوايا، بل تتفاعل بناءً على أنماط بيانات فقط.
الحدس البشري: البشر يتّخذون قرارات استثنائية أحيانًا بلا منطق واضح، بل بناءً على الإحساس أو التجربة، وهو ما لا يستطيع الذكاء الاصطناعي تقليده.
الأخلاق والسياق الثقافي: ما يُعدّ مقبولًا في ثقافة قد يكون مرفوضًا في أخرى. الآلة لا تستطيع استيعاب هذه الفروقات الدقيقة كما يفعل البشر.
المرونة العاطفية: الإنسان يتكيّف مع المواقف العاطفية، يفهم الغضب، الحزن، الشغف. بينما الآلة "تقرأ" هذه الحالات دون أن "تشعر" بها فعليًا.
لهذا، يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعدنا، يسهل حياتنا، بل وربما يتفوق علينا في بعض المهام الحسابية أو التحليلية. لكنه لا يمكن أن يكون بديلًا كاملًا، لأنه يفتقد جوهر الإنسان: الشعور، المعنى، والنية.
الذكاء الاصطناعي يحتاج لتدريب بشري دائم، وكل جهاز جديد يزيد معه التحدي... وكمُدرّبين، يزداد التحدي مع تطور التقنية، فمهما بلغ ذكاؤه، يبقى بحاجة لمن يوجّهه.