الحقوق تؤخذ ولا تعطى
أعلن عدد من نساء ورجال التعليم في إقليم كوردستان في السليمانية منذ 25 كانون الثاني (يناير) 2025 إضراباً عن الطعام احتجاجاً على تأخر صرف رواتبهم، وعدم تلبية مطالبهم المتعلقة بتحسين أوضاعهم المالية وضمان معيشتهم من خلال استحصال رواتبهم الشهرية في مواعيدها، وتوطين رواتبهم في البنوك الاتحادية، إلا أن سلطة الإقليم لم تحرك ساكناً ولم تستجب لمطالبهم المشروعة، بالرغم من أن وضعهم الصحي قد دخل مرحلة خطيرة جداً.
ما عاد المعلم رسولاً
اتخذ المحتجون أمام مبنى ممثلية الأمم المتحدة في السليمانية خطوة تصعيدية عبر الإضراب عن الطعام، وهم يعيشون تحت خيمة بائسة قماشية مهترئة لا توفر أدنى مقومات الحياة، خيمة تكسوها بقايا نايلون بالكاد تقي من تساقط الثلوج والأمطار الغزيرة. يتحرك عدد من المضربين داخل الخيمة في محاولة يائسة لتدفئة أجسادهم بالحركة، بينما يجلس قسم منهم بصمت مثقل والدموع في أعينهم لا تهدأ ولا تسكن، وعيونهم شاخصة نحو الأفق، وكأنهم ينبشون في ذاكرة مثقلة بذكريات حياة طوتها قسوة السلطة التي لا تهمها حياة مواطنيها.
وأثناء الليل، يوقدون النار للتدفئة ويجلسون حولها حتى يلوح أول خيط من الضياء.
إنَّ أوضاع المضربين عن الطعام ليست إنسانية، وما يعيشونه لا يليق بهم كبشر، وإن التعب يبدو على وجوههم الشاحبة كأنه انهزام جماعي شبيه بالهجرة المليونية أمام بشاعة وقسوة السلطة، ولسان حالهم يقول: نعم… ما عاد المعلم الذي كان يوماً مصدراً للفخر والاحترام رسولاً.
إنَّ أهداف نساء ورجال التعليم في إقليم كردستان واضحة وصريحة ومشروعة، لا تخرج عن نطاق المطالبة بالحقوق والكرامة.
عاصمة لكل مواطني الإقليم
أقدمت السلطات الأمنية في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، يوم الأحد المصادف 9 شباط (فبراير) الجاري، على منع موظفي ومعلمي السليمانية المتظاهرين من دخول المدينة، وعليه تكدست عشرات الحافلات والمواطنين المتظاهرين القادمين من مدينة السليمانية في حدود منطقة (ديگلە) بمدخل أربيل. وكان المتظاهرون والمعتصمون من موظفي السليمانية قد توجهوا بعشرات الحافلات صوب أربيل، بعد مرور أكثر من 12 يوماً على اعتصامهم وإضرابهم عن الطعام في السليمانية، مطالبين بحل أزمة الرواتب بشكل نهائي.
ويرى مراقبون أن منع معتصمي السليمانية من دخول أربيل من قبل الحزب الحاكم يدل على أن أربيل لا يمكن أن تكون عاصمة لكل مواطني الإقليم، بينما تمنع استقبال متظاهري السليمانية والمحافظات الأخرى للتظاهر السلمي أمام مقر الأمم المتحدة في أربيل لإيصال صوتهم ومطالبهم إلى الجهات المعنية.
أخيراً، لقد سقط سور الانقسام في برلين بعد أكثر من 28 عاماً على بنائه، والذي فصل أوروبا الغربية عن الكتلة الشرقية أثناء الحرب الباردة، وكان الغرض منه تحجيم المرور بين برلين الغربية وألمانيا الشرقية. إن سقوط الجدار مهد الطريق إلى إعادة توحيد ألمانيا رسمياً في 3 تشرين الأول (أكتوبر) 1999، إلا أن الحدود الوهمية الفاصلة بين إدارتي أربيل والسليمانية في إقليم كردستان، والتي فرضتها الحرب الأهلية في كردستان في منتصف التسعينيات بين الإخوة الأعداء، الاتحاد الوطني والديمقراطي الكردستاني، لا تزال قائمة، ولم تستطع سنوات السلام أن تمحو آثار تلك الحرب القذرة التي استمرت بين أعوام 1996 و2005!
وتبقى الأسئلة الملحة التي تفرض نفسها حالياً: كيف يمكن للسلطة الحاكمة في أربيل أن تحافظ على استمرارها وقوتها، وهي تقلل من شأن المعلم الذي يُعد ركيزة أساسية في بناء الإنسان؟ هل تمثل حكومة الإقليم حقاً جميع مواطني الإقليم؟ هل تعد مدينة أربيل حكراً على الحزب الديمقراطي الكردستاني وأعضائه وجماهيره فقط؟