: آخر تحديث
وسط قلق من "ضمور" الثقافة و"تسليع" الفن

ندوة في اصيلة تسائل علاقة الفن المعاصر بالمؤسسة الفنية

1
1
1

إيلاف من أصيلة: نجحت ندوة "المؤسسة الفنية... المفهوم والإنجاز الفني"، وهي الندوة الأخيرة ضمن فعاليات الدورة الخريفية لموسم أصيلة الثقافي السادس والأربعين، في إثارة نقاش مثمر وطرح أسئلة شائكة حول سبل التفكير في ما يُمكن من "قياس عمق التأثير" الذي بات واضحا في الظاهر، بين الفنانين من جهة، وأروقة عرض ومتاحف من جهة ثانية، وبينهم وبين مجموعات داعمة لها أدوار اقتصادية في السوق، من جهة ثالثة، خصوصا وأن هذا الارتباط، لم يعد مجرد "توفير أرصدة مالية تكفل تحقق منجزات فنية في الأفق المنظور"، وإنما بات "حارسا لمفاهيم وأساليب، في صلتها بالتلقي، والانتشار والرسوخ"، خصوصا بعد أن "بات مألوفا في الزمن الراهن، حيث تقلص هامش تقبل المتلقين للتجريب الشكلي، والمغامرة الجمالية، أن يتحصن الفن المعاصر بمؤسسات، لا يمكن الزعم أنها تنتج مفاهيم، وإنما تصون تداولها"، وذلك حسب ما جاء في الكلمة التقديمية، لمنسق الندوة شرف الدين ماجدولين، الناقد وأستاذ التعليم العالي.

وتواصلت الندوة، على مدى يومين، في جلستين، قدم خلالها المتدخلون تشريحا لأوضاع الفن والثقافة، عالميا، عربيا ومغربيا، في زمن عولمة جارفة، يقوم منطقها على السرعة والتسليع.

سلطة المؤسسة الفنية

قال ماجدولين إن ثمة مؤسسات لها حضور، وتمثل واقعا في المشهد الثقافي، كما بات لها تأثير، لذلك "يبقى علينا أن نُعرف هذه المؤسسة التي باتت تمثل سلطة، بعد أن كان المشهد الفني لا سلطة داخله إلا للفرد الذي هو الفنان وحده، أو للناقد الفني".

وشدد ماجدولين على أن "الفن المعاصر بات اليوم مرتهنا بعدد كبير من المفردات التي نجملها في "متحف"، و"رواق"، و"إقامة فنية"، و"صحافة متخصصة" وغيرها". ورأى أن هذه السلسلة تبدو "مترابطة ومنحازة"، وذلك "في وقت لم يعد فيه وجود للفرد المشتغل في الفن المعاصر من دون قاعدة تسنده وتدعمه، بل ربما قد تقترح عليه المفاهيم والقضايا وأسلوب الاشتغال".

أصيلة والفن

قال حاتم البطيوي، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، في كلمة بالمناسبة، إن "موسم أصيلة حين اختار أن يفرد في دورته الخريفية حيزًا بارزًا للندوات الفنية، بعد عقود من الممارسة الإبداعية في مشاغله وفضاءاته العمومية"، فعل ذلك ليضع الفن التشكيلي – كما كان عليه الأمر في دورتين سابقتين – في مكانته اللائقة، داخل التراكم الفعلي والطموح الجمالي.

ومن هذا المنطلق، يضيف البطيوي، "جاء تفكير مؤسسة منتدى أصيلة في تخصيص لحظات للتفكير والقراءة والتحليل، حول حاضر الفن المعاصر في المغرب والعالم، تمثلًا لهموم الفنانين وانشغالاتهم الفكرية، وسعيًا إلى استجلاء ملامح التلقي والتأثير، من خلال ندوات اختيرت لها محاور بدت لنا ذات أهمية في المشهد الفني الراهن".

دور داعم

رأى البطيوي أن "الفن المعاصر يعكس، في مجمل تحولاته، المجتمع وثقافته، وأسئلته الكبرى حول الهوية، والبيئة، والعدالة، والتقنية، والحدود، وغيرها".

وأضاف أنه "مع تزايد تعقيد هذه القضايا، وتعدد وسائل التعبير الفني، برزت المؤسسات الفنية – من متاحف، وأروقة عرض، وإقامات فنية، ومراكز ثقافية، ومؤسسات خاصة – بوصفها ركائز أساسية في دعم الفنانين والتيارات المعاصرة عبر العالم".

ومن المعلوم أن هذه المؤسسات، يضيف البطيوي، تعمل على "احتضان التجارب الجديدة التي تتحدى الأشكال التقليدية للفن، من خلال توفير فضاءات عرض حرة ومتعددة التخصصات، تساعد على تفاعل الفنون البصرية مع الأداء، والموسيقى، والوسائط الرقمية".

وفضلًا عن ذلك، يضيف البطيوي، "تنهض هذه المؤسسات بدور داعم اقتصاديًا وجماليًا؛ إذ تتيح برامج الإقامة الفنية، والتمويل، والمنح الدراسية، فرصًا للفنانين للتجريب والتبادل الثقافي، وتشجع البحث النقدي في الفن. كما تعمل على تأطير الجمهور وتثقيفه، عبر تنظيم الندوات والمحاضرات وورش العمل، التي تسهم في بناء وعي بصري وفكري، يعزز علاقة المجتمع بالفن، ويجعله شريكًا في إنتاج المعنى. ومن هذا الدور، تبرز هذه المؤسسات بوصفها مساهمة في تحقيق العدالة الثقافية، من خلال دعم أصوات الفنانين المنحدرين من خلفيات غير غربية؛ ما يمنح الفن المعاصر بُعدًا عالميًا متعدد الأصوات".

جانب من الجلسة الثانية للندوة

صياغة الوعي

رأى البطيوي أنه "مع صعود قضايا البيئة، والذكاء الاصطناعي، والهجرة، أصبحت المؤسسات الفنية منصات للنقاش والتفاعل، تتقاطع فيها الرؤية الجمالية مع الالتزام الاجتماعي والسياسي".

وتبعا لكل هذا، يخلص البطيوي، إلى أن "المؤسسات الفنية تتجلى لا بوصفها مجرد حاضنة للفن، بل باعتبارها فاعلا ثقافيا يسهم – في الأفق البعيد – في صياغة الوعي المعاصر، وإعادة تعريف الحدود بين الفن والمجتمع".

ضمور ثقافي

قال عيسى مخلوف، الكاتب، والشاعر والناقد الفني اللبناني، إن "المؤسسة الفنية التي تنتصر للفن، وتتمثل في المتاحف وصالات عرض الأعمال الفنية ومعاهد تدريس الفنون الجميلة، تساهم في صياغة الظواهر الفنية والرموز والمرجعيات المفهومية".

وتحدث مخلوف عن وقوع "تحول جذري في الفن والعلاقة به ما بين نهاية القرن ال20 وبداية القرن الـ 21". وشدد على أننا "نعيش اليوم ما يمكن أن نسميه تغير المعنى الثقافي في العالم"، مشيرا إلى أن "ما يُعنى به كلمة "ثقافة" اليوم، لا دخل له على الإطلاق بكل ما فهمناه عن معنى الثقافة منذ عصر الأنوار، وحتى قبله".

عيسى مخلوف يتحدث في الندوة والى جانبه سليمة العيساوي 

وتحدث مخلوف عن "ضمور ثقافي"، مشيرا إلى القول الذي يرى أن "الشمس كلما راحت تغيب تصبح للأقزام ظلال كبيرة"، ما يعني أن "هناك تخلخلا عميقا في فهم الثقافة"، رأى أنه جاء بسبب "العولمة" و"المال الذي وضع اليد على كل شيء تقريبا بما في ذلك الثقافة، وضمنها الإبداعات المختلفة". وشدد على أن "المال كان دائما مرادفا للسلطة، سوى أن سطوته لم تكن كما هي عليه اليوم".

وبعد أن تحدث عن الفن والسلطة التي توفرت له في عصر الأنوار، رأى مخلوف أن "الأمور تغيرت في القرن الـ 21"، بعد أن "تحولت القطعة الفنية إلى سلعة أو "بضاعة" تخضع للعرض والطلب". ورأى أن "الفن بدأ يدخل في ثقافة سياحية، تفرغه من محتواه ومن سياقه التاريخي والجمالي".

أسفل الجرة

وختم مخلوف كلمته على إيقاع الأمل، مشيرا إلى أن "ما ينطبق على الفن التشكيلي ينطبق على جميع الفنون المشهدية"، غير أن "هناك جانبا إيجابيا، يتمثل في أنه ما زال في أسفل الجرة حبات من اللؤلؤ تلمع، مبشرة بمستقبل يبعث على التفاؤل، إذا ما استطاعت أن تصمد أمام الهجمة الهائلة لرأس المال". وأضاف: "هناك فنانون ما زالوا يجدفون عكس التيار مزودين بإيمان عميق بأن الفن، بوجوهه المختلفة، لا يموت، وأن موته يعني موت الصورة الأنقى والأجمل للإنسان على الأرض".

وبعد أن شدد على أن "الدفاع عن الفن هو في العمق دفاع عن الإنسان"، استحضر مخلوف عبارة لنيتشه، يقول فيها: "لنا الفن، لدينا الفن حتى لا تموت الحقيقة".

صناعات ثقافية

قال ادريس كسيكس، الكاتب والأكاديمي والخبير المغربي في الصناعات الثقافية، إن الأصل في عالم الفن هو الإبداع، كتفرد وفلتة ورؤية تلتقي مع العموم، انطلاقا من زاوية معينة، أو إحساس معين، أو ذاكرة معنية أو تذكر ممزوج بالخيال". وأضاف أن "بين الثقافة والفن، هناك تضارب والتقاء، إذ بقدر ما يعتبر الفن تقردا ينظر للثقافة كوعاء جماعي".

وتوقف كسيكس عند مفهوم الصناعات الثقافية، وقال إنه مر من 3 منعرجات، على الأقل. الأول، "حين اعتبره مفكرون ماركسيون ونقاد من مدرسة فرانكفورت طريقة لتسليع وتنميط العمل الإبداعي، فاعتبر تفرد المبدع حينها أسمى شيء جمالي يصبو إليه الذوق، ولكنه مهدد بما يفرضه مفهوم الترفيه من ابتذال للمعنى وللمساءلة والتأمل واللايقين المرتبط بعملية الإبداع". أما الثاني، فله صبغة ليبرالية، ارتبط بأوروبا، حين أخذ منحى مهما في بريطانيا في ثمانينيات القرن الماضي، مع ربط العمل الفني والثقافة بمسألة النمو الاقتصادي، وربْط بين الإنتاج والتسويق والتداول بشتى الطرق، كمجال يعطي قيمة للإبداع على المستوى الرمزي والمادي في نفس الوقت". أما الثالث، فـ "انطلق مع بداية القرن الحالي، بإيعاز من اليونسكو والمنظمة الأوروبية للتجارة والتنمية، وأدى إلى تدويل مفهوم الصناعات الثقافية، حيث أُفردت ميزانيات داعمة لهذا التوجه، فأصبحت في كل دول الجنوب والشمال بَاراديغْمًا قائما بذاته".

وتحدث كسيكس عن الحالة المغربية، مشيرا إلى أن مؤسساتها بدأت تهتم، بداية من 2010، بهذه المسألة، فـ "صار ينظر للعملية باعتبارها جزء من منظومة متكاملة ينصهر فيها الفرد المبدع ضمن سلسلة إنتاجية محكمة تبدأ من آليات التمويل وفضاءات الإبداع، حتى مجالات نشر وعرض المنتوج الثقافي، مرورا بآليات التكوين ومنصات الترويج والتسويق وشبكات التداول".

خمس ملاحظات

بسط كسيكس خمس ملاحظات، انطلاقا من أعمال بحثية، أولاها أنه "يصعب الحديث عن صناعة حين تكون مكانة السوق اللامهيكل غير مدرجة في فهم التعابير والفضاءات الثقافية"؛ وثانيها، أن "المغرب من بين أكثر البلدان العربية استهلاكا للمهرجانات من حيث العدد، وهو شيء محمود لكنه محدود، حيث يأخذ الجانب المناسباتي الموسمي مكانا أكثر من الفضاءات التي قد تساعد على الذهاب للفضاءات الفنية والثقافية، ضمن طقس مألوف ومدرج في اليومي، وهو ما يوضح محدودية مفهوم السوق في هذا السياق"؛ وثالثها أن "الدعم كآلية اقتصادية هو سيف ذو حدين، إذ يمكن أن يؤدي إلى نوع من الرقابة الرمزية والاقتصادية من طرف بعض اللجان، والبيروقراطية الثقافية، وكذا خلق آليات للريع من جانب المنتجين؛ الشيء الذي يستدعي توسيع دائرة المتلقين والانفتاح على آليات جديدة لخلق شغف ثقافي في المجتمع"؛ أما رابعها فتتمثل في أن "الصعود السريع لمفهوم الصناعات الثقافية والإبداعية تم بشكل فوقي، وساهم أكثر في تقوية سلطة المؤسسات ذات الموارد الاقتصادية الكافية وهمشت الفاعلين الشباب والمتدخلين الثانويين في المجال، كما لم يساعد على تطوير آليات وفضاءات دعم الإبداع في فترته الجنينية الأولية". أما خامس الملاحظات، فتتمثل في أن "هناك شرخا لم يلتئم بعد بين الثقافة العالمة والثقافة الشعبية، بشكل يحول دون إنشاء وسائط وصلات وصل تساعد على ترجمة الفكر إلى فن والموروث إلى إبداع متجدد، إذ لا يمكن بناء صناعات ثقافية بمعزل عن التربة والمجال والذاكرة التي تعطينا قوة رمزية، ودون ربط بشبكات التواصل التي تساعد بإعطائه صدى أوسع. لكن الإشكال هو ثقافة الخوف والرقابة الذاتية التي لا تتعامل مع الإنتاج الفني كمخزون تعبيري له ارتباط بما يقع في المجتمع والسياسة والعوالم التي ترتبط بها".

خمس ظواهر

كما قدم كسيكس ملاحظات أخرى، كفاعل ثقافي، توقف من خلالها عند خمس ظواهر، بينها "وجود توجه نخبوي يلائم بين ثقافة الواجهة المؤسسية والمناسباتية"، ممثلا في المهرجانات والمتاحف؛ مع "وجود محاولات هامشية لفاعلين ثقافيين غير تجاريين، مرتبطة بالمجتمع وتحاول أن تعطي معنى للفعل الثقافي وعدم تنميطه، من دون أن تجد سندا من الدولة، مع تمويل أجنبي، ضمن أوجه تعاون غير مألوفة".

النظر والنظرية

انطلق خليل قويعة، الفنان التشكيلي والأكاديمي التونسي، من جملة ملاحظات بخصوص مسار الإبداع، الذي "ينطلق من علاقة جدلية بين الفكر والفعل"، مشيرا إلى أن "المسار يتطور ما بين النظر والنظرية، ثم يصير منزوع الصبغة المادية".

ورأى قويعة أن "الفن لا يمكن أن يعيش ويزدهر خارج مؤسسة الدولة، ما يعني أن الفن مرتهن بالدولة، وهو في حاجة إلى مؤسسات". كما رأى أننا "لا يمكن أن نتحدث عن فن من خلال عالم الفنان وحده، كما هو موجود في العالم العربي؛ إذ ليس هناك تركيز على الجمهور والتلقي، أو ما يسمى بالتلقي الفاعل".

وقال قويعة "في العالم العربي لا نولي أهمية للجمهور، إذ ما زال الفن مرتهنا بمركزية الفنان، وهو شيء لا يخدم هذا الأخير، ما دام أن الفن هو منظومة علائقية تقوم على المرور من عالم الذات إلى عالم الآخر".

وتحدث قويعة عن "المقصدية الجمالية"، مشيرا إلى أن "العمل الفني لا يمكن أن يسمى كذلك إلا عندما يعرض أمام الجمهور، الشيء الذي يتطلب مؤسسة، وهو ما يعني أن الفن مرتهن بالمؤسسة والمؤسسة مرتهنة بالتشريع القانوني الذي يواكب تاريخ الفن في العالم".

الجمالي والتاريخي

تحدثت سليمة العيساوي، منظمة معارض بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، عن أهداف وطريقة اشتغال المعارض الدائمة بمتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، مشيرة إلى أنها تسائل الهوية من خلال الممارسات الفنية.

ورأت العيساوي أن الفن بعيد عن أن يكون امتيازا فرديا، بل مشترك جماعي ذي فائدة مجتمعية. وأضافت أن المعارض الدائمة تسعى إلى تقديم الفن المغربي كحقل تفاوض بين الجمالي والتاريخي، وبين الحداثة والذاكرة. 

من جانبه، انطلق جون لويس بواتفان، الفيلسوف والناقد الفني الفرنسي من سؤال "ما هو الفن؟"، قبل أن يتحدث عما سماه "لعبة التعميم"، التي "تأتي لتفرغ ما هو داخل ما نؤمن به".

وتحدث بواتفان عن الآلات، ومن خلالها عوالم التكنولوجيات الحديثة، وقال إننا "صرنا مستخدمين لديها". وأضاف أن "الممارسات الفنية هي وسائط والآلات تأتي لتضيف طبقة جديدة، بينما تقودنا إلى تراجع لا نستطيع معه شيئا".

وشدد بواتفان على أن "الرهان ليس الانفلات، بل تكسير الجدار الذي يقلص مجال الإنساني فينا، بما يضمن إيجاد روابط مع ذواتنا، وعدم افتقاد الإنساني فينا".

تأثير الدعم الأجنبي؟

تطرقت يسرا عبد المومن، الباحثة في الفنون البصرية بالرباط، للاتفاقيات الثقافية مع المنظمات الأجنبية ودورها في المشهد الفني المغربي؛ وقالت إن "العلاقة مشروطة بمواضيع وتيمات يتم اقتراحها، من قبيل الذاكرة، والنوع، والبيئة والتراث". وتساءلت: "ألا يؤثر ربط الدعم بالتحديد القبلي للمواضيع على الإبداعي والجمالي، وبالتالي على الآثار والأشكال والتي نبدعها؟"، بمعنى "ألا نوجه المواضيع والأشكال والخطابات المتعلقة بإبداعاتنا؟".

يسرا عبد المؤمن تتحدث في الجلسة الثانية  للندوة 

ورأت عبد المومن أن الدعم ينتهي بنا إلى "ثقافة موضوعاتية، بشكل تختفي وتحجب معه مواضيع أخرى، يتم تهميشها".

ولاحظت أن الفنانين "مدركون لهذه التوجيهات، وللانتقائية على مستوى المواضيع المقترحة للدعم، لذلك يتأقلمون مع هذا التوجه والتوجيه، ليتم الاشغال فنيا تبعا للكلمات المفاتيح الموضوعة، وأخذا يعين الاعتبار الدعم المفترض".

وشددت عبد المومن، في ختام مداخلتها، على ضرورة "خلق نظام دعم متعدد، يكون فيه الفنان متخففا من كل شروط مسبقة، كما لا يتم تهميش مواضيع لصالح أخرى".

رهانات مجتمعية

تناول محمد رشدي، الأكاديمي والباحث المغربي في الفنون المعاصرة، علاقة الفنان المعاصر بالمؤسسة الفنية في المغرب، مشددا على أنها "معقدة".

وتوسع رشدي في الحديث عن تاريخ الفن المعاصر في المغرب، وعلاقته بالمؤسسات الفنية، وصولا إلى تطور سوق الفن الهش، والبروز القوي للمؤسسات الخاصة، مع استحضاره لاستراتيجيات الحكومة في هذا المجال. 

وقال رشدي إن التطور لا يمنع من طرح أسئلة حول دعم حرية واستقلالية الفنانين، وكيف يتفاعل الفنانون مع هذه المستجدات من دون السقوط في ما يقيد استقلاليتهم.

وخلص رشدي إلى أن العلاقة بين الفنان والمؤسسة الفنية هي مرآة تعكس رهانات مجتمعية أكبر، تواجه واقعا وسياقا محافظا. ورأى أن "علينا التفاؤل والصبر"، مع تشديده على أن التغيير العميق للعقليات يتطلب وقتا أكبر.

هيمنة الفرنسية

ركز يوسف وهبون، الفنان التشكيلي والناقد الفني المغربي، مداخلته على هيمنة اللغة الفرنسية على مستوى تاريخ الفن المغربي، وكذا تاريخ المؤسسات الفنية في المغرب.

وأرجع وهبون أصل الظاهرة إلى أسباب تاريخية مرتبطة بالإرث الاستعماري، ودراسة عدد من المشتغلين المغاربة الأوائل في المجال الفني بفرنسا. كما توقف عند محطات لاحقة أظهرت هيمنة الفرنسية، من خلال مجلات تخصصت كليا أو جزئيا، في السبعينات، بالكتابة في الفن، من قبيل "أنفاس" و"لاماليف"، أو نقاد كانوا يكتبون بالفرنسية، وكانوا الأكثر نشاطا، من قبيل عبد الكبير الخطيبي وإدمون عمران المالح، إلى غيرهما من المتدخلين المرتبطين بالمجال الفني المغربي، الذين كانوا في معظمهم فرنكفوني الاختيار اللغوي.

وخلص وهبون إلى أن هيمنة الفرنسية في المشهد الفني المغربي، تقودنا إلى طرح جملة أسئلة، من قبيل: "هل الفن قضية بورجوازيين ونخبة ظلت مرتبطة ومتشبثة بالفرنسية؟".

جانب من الجمهور 
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات