: آخر تحديث

"أتذوق، اسمع، أرى" كتاب جديد لعبد الصمد الكباص حول فلسفة الحواس

3
1
1

عن محترف أوكسيجين للنشر، صدر للمفكر المغربي عبد الصمد الكباص كتاب جديد بعنوان "أتذوق، اسمع، أرى: فلسفة من أجل الحواس"، يشكل حلقة إضافية في مشروعه حول فلسفة الجسد التي عمل على استجلاء مضامينها في كتبه السابقة. 

يتناول عبد الصمد الكباص في عمله الجديد أفعال الحواس بوصفها تجربة تختبر في ملاذات الجسد، بعيدا عن أسئلة المعرفة والحقيقة التي هيمنت على الفلسفة الغربية. ويبدو من خلال فصول العمل وتفاصيله الفكرية، أنه مبني على نية مسبقة لتحرير سؤال الحواس من غلاف مضمرات الفكر الغربي حول الجسد. 

يكشف عبد الصمد الكباص عن منطلق ذاتي في معالجة سؤال عمله قائلا: "أفتتح صباحي بفنجان قهوة. الصباح الجيد يبدأ بقهوة جيدة وحكاية ممتعة. لكنني كنت دائما أتساءل ما سر هذا السحر الذي تفعم به الجسد، هل الطعم، أم الرائحة، أم اللون الأسود الذي يلتمع في قلب الفنجان الأبيض؟ ما الذي يجعل رشف قطرات قليلة وتكاد تكون شبه نادرة، من الإكسبريس، بالنسبة لي، تجربة للأبدية تتجمع في لحظة واحدة؟ ربما تكون هذه الأسئلة، تدريبا يوميا على التفكير، أفتتح به الصباحات المتحققة في كل حياة جديدة تُمنح لي معها. الشيء الأكيد بالنسبة لي، أن هذا السحر، وهذا التوله بالقهوة كممارسة غزلية لبداية الصباح، لا ينحدر من أية معرفة بمنافع البن ومضاره، لا بالمكاسب وبالخسائر التي يجلبها للصحة، إنه انتشاء خارج الاعتبارات الانتهازية للجسم، لأوهام ادخار القوى، لأنني على علم يقين، أنني طالما تورطت في الحياة، فقد تورطت في الخسارة الكبرى التي تكتمل بها. مثلما لم يتأت ذلك من معرفة بمكوناتها. إنه انتشاء خارج المعرفة، وربما خارج المعنى أيضا. القهوة بالنسبة لي مدخل كبير لفلسفة الحواس". 

يعلن عبد الصمد الكباص عن مقدمات رؤيته للحواس باعتبارها حياة وليس فقط مجرد وسيلة للإدراك قائلا: "إذا جردنا الحياة من الألوان والأصوات والمذاقات والروائح والملامس، فما الذي سيتبقى منها كحياة أمامنا؟ إن تجاوز وضع الحياة كبقاء، لا يتم ولا يتأتى إلا تحت شرط ما تنتجه الحواس. لكن الحواس لا تجعل الحياة تظهر حية أمامنا فقط، لكنها أيضا، تجعلنا أحياء في مواجهة العالم، فماذا سنكون من دون الأصوات التي نسمع والصور التي نرى والنكهات التي نتذوق والروائح التي نشم؟ ما يستخلص من أفعال حواسنا، هو حياتنا الخالصة، ما ينسب إلينا في عالم يجعلنا موضِعا لحدوثه، ويُفرِّدنا كأحد ممارساته". 

وينبه إلى القيمة التي تؤسسها  الحواس في الحياة الخالصة للجسد بنبرة واضحة، حيث يقول "نكاد لا ننتبه إلى أن الحواس تفتح المجال الذي يؤكد فيه الجسد نفسه كانحياز. إنه يمارس فيها انحيازاته التي يعلن من خلالها ما يكونه". 

في كتابه الجديد يُظهر عبد الصمد الكباص تثمينا للانحياز، الذي يشكل بالنسبة له نواة الطابع الاستثنائي للجسد. يوضح ذلك قائلا "الانحياز قيمة عظيمة يُنشّط فيها الجسد استثناءه. ومن دونه، لسنا سوى غفل. من نكون من دون التفضيلات التي تشكلنا؟ من لا تفضيل له، لا يرقى إلى مستوى الجسد، أو هو في أحسن الحالات مادة غارقة في خطأ اللا شكل. ومن ثمة يغدو التساؤل عن الحواس، في أحد جوانبه المثيرة، تساؤلا عن الانحيازات التي تُعلننا كأجساد. ومع ذلك فالأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالحواس تقدم طيفا متخالفا من الانحيازات، النظرة مثلا  قلما تكشف عن الانحيازات البدئية التي تكونت على أساسها، في حين أن التذوق لا يتم إلا على أساس ظهور صريح لها، ورغم هذه الاختلافات هناك شيء مشترك، هو مقاومة العفوية".

ويضيف الكباص في فقرة دالة "كثيرا ما وصف من يدافع عن حسية الإنسان، بأنه حيواني المنزع، في معارضة مع ما هو روحاني. لكن أصحاب هذا الرأي لا يفهمون جيدا طبيعة هذه الحياة المترتبة عن الحواس، الحيوان كائن المنبهات وليس الحواس، إنه غريزي، ومن منطق الطبيعة فالغريزة دائما على حق، بل التحولات التي تطرأ عليه على مر السنين، تأتي في الغالب من تفاعل ما هو مبرمج فيه مع الشروط الخارجية التي لا يتحكم فيها. لكن الإنسان كائن تجريبي، أنه يجرب وجوده حتى في تعارض مع التجهيز المبرمج فيه، ومن خلال تجاربه يشكل نفسه ويعيد بناءها، لأنه في الأساس كائن لا يناسب طبيعته كما دافعنا عن ذلك في كتاب "الجسد وأنثروبولوجيا الإفراط". لذلك فأفعال الحواس تفتح حقلا للتجربة يبدأ من أعضاء الحواس، وينقاد إلى حياة تتجاوز الغريزة والحاجة. إنها تجلب البعيد الممثل الرمزي للانهائي في السمع، وتخلق حياة المكان في النظرة، وفي اللمس تبتكر فن تقاسمنا لأنفسنا في الآخر، وتفتح مكانا لحدوث المطلق الخاطف في التذوق. إنها تجربة روحانية". 

وتبدو هذه الفقرة ملخصة لروح هذا الكتاب الفكري: "في تجربة الجسد تخدم الانزياحات النسق وتثمنه، إنها إبداعيته الخالصة المرتدة إلى عمل منتج لمقاومة العفوية. ومن ثمة فالحواس في قلب هذه التجربة تظل هي ما يطوي سياقات العالم في الجسد، وما يبني في ملاذاته السرية المكان الذي هو جدير به. إنها قصيدة الحياة التي تستحق أن تنشد، تماما كما هي قهوة الصباح بالنسبة لي".

يَعْبُر الكتاب حياة الحواس من النظر إلى اللمس والسمع والتذوق. ويتوقف عند الوجه باعتباره حق الآخر. صدر الكتاب بغلاف شكلته لوحة الفنان والشاعر دلدار فلمز وصممه الفنان أكسم قاسم. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات