تقول الرواية: وقف الصبي الصغير بحماره الذي كان ينقل عليه المياه من نهر النيل إلى أهله من أبناء عبد الرسول الذين يعملون في الحفائر بوادي الملوك بالأقصر أوائل القرن الماضي، بعد أن اكتشف أن المياه تتساقط من الجرار التي يحملها، فقرر إعادة ربطها، ولدى وضعه أحد الجرار على الأرض، ارتطمت بشئ صلب، فكشف عنه بفأسه الصغير، واتضح أنها درجة سلم.
أبلغ الصبي على الفور الرجل البريطاني الذي قارب على اليأس من البحث عن مقبرة توت عنخ آمون طوال خمس سنوات طويلة "هوارد كارتر" الذي هدد اللورد جورج كارنارفون بوقف تمويل بعثته.
على الفور توجه كارتر إلي مكان درجة السلم وتم الكشف عن 16 درجة تنزل إلى مقبرة، وحينما وضع كارتر رأسه، في الرابع من نوفمبر 1922، داخل كوة تطل على المقبرة من الداخل قال "إنه يوم الأيام كلها".
دخل كارتر وفريقه التاريخ بأكبر الاكتشافات على الإطلاق، فقد شق طريقه داخل المقبرة عبر كميات من الكنوز الذهبية التي لم تمس ولم يسبق لها مثيل لملك في العالم.
على باب غرفة الدفن وقف تمثالان خشبيان بالحجم الطبيعي للملك توت عنخ آمون يحرسان الغرفة، وفي الداخل برزت المقبرة الملكية للملك الشاب توت عنخ آمون، قدس أقداس الاكتشافات على مر العصور.
القناع الذهبي
كان الملك توت يقبع داخل أربعة توابيت جنائزية مذهبة، وكان يرتدي قناع الموت الذهبي على وجهه، القناع الذي يزن عشرة كيلو غرامات يصور الملك كإله يحمل العصا والمذبة وتم صقله من الذهب واللازورد والأحجار الكريمة بشكل مذهل من حيث دقة التصميم وبهائه، حتى ليظن أن من قام بصقله هكذا استخدم آلات حديثة وليست أيادي المصريين قبل ثلاثة آلاف عام أو يزيد.
ويقول بسام الشماع، عضو الجمعية المصرية للدراسات التاريخية إن القناع جزء من الطقس الديني الجنائزي المادي والرمزي المرتبط بالموت والبعث وحماية الملك جسمانيا فى آن واحد.
القناع مصنوع من الذهب الخالص ويصل إرتفاعه إلى ٥٤ سم ويحتوي على أكثر من تسعة كيلو غرامات من الذهب الخالص.
قناع الملك توت مكون من مرحلتين أو طبقتين من الذهب تم الربط بينهما عن طريق الدق وهو منقوش ومصقول ومُرصع بعدد من الأحجار الكريمة.
صور تحكي أبعادا جديدة في قصة اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون
المدير السابق لمتحف اللوفر متهم بتهريب قطع أثرية مصرية لا تقدر بثمن
كيف كان يشرب الفراعنة البيرة في مصر القديمة؟
الملك توت عنخ امون: صانع الذهب
الملك توت عنخ آمون وأهميته
اعتلى الملك توت العرش وهو في سن التاسعة، وحكم حتى وفاته في سن 18 أو 19. لم يكن لاعبا رئيسيا في تاريخ مصر الفرعونية، بالمقارنة بالفراعنة الآخرين، لم يُعرف عنه شيء تقريبا قبل اكتشاف هوارد كارتر لقبره، ولم يكن هناك سوى القليل من التوثيق الموجود داخل قبره عن حياة الملك، ما جعله أشهر الملوك بمقتنياته الجنائزية وليس بتاريخه.
لم يطلق عليه اسم الملك "توت عنخ آمون" عند الولادة لكنه سُمِيَ به من قبل كهنة آمون، بعد أن أعادهم الملك للواجهة وأعاد العبادة للإله القديم "آمون"، ويعني اسمه "الصورة الحية للإله آمون".
وأكدت دراسة جديدة نسب الملك توت عنخ آمون إلى اخناتون، الذي وحد الآلهة كلها في إله واحد وهو الإله آتون، ونقل عاصمة الحكم إلى منتصف مصر العليا في تل العمارنة بدلا من "طيبة" في الأقصر، وأقصى كهنة آمون عن واجهة الحكم.
لذلك فقد تولى الملك الصغير توت الحكم من بعد أبيه وهو في سن التاسعة، ومات في ريعان شبابه في سن الثامنة عشر ولم يمط التاريخ اللثام عن موت الملك توت وما إذا كان مات مقتولا أم لا.
ويشير الباحثون إلى أن الملك كان مريضا وضعيفا إلا أن بسام الشماع يقول أن هناك دلائل على قوة الملك وصور تشير إلي أنه حارب وكان بصحة جيدة.
وتقول دراسة أمريكية حديثة إن الملك الشاب مات بسبب كسر في عظم الفخذ بينما ذكرت دراسات أخرى أن الملك مات مقتولا.
ويثير تولي مساعده كبير الكهنة آي من بعده الحكم شكوك الأثريين خاصة وأن آي تزوج أرملته لمدة سنتين، وتولى من بعدهما المساعد الثاني وقائد جيوش توت عنخ آمون "حورمحب" الذي محا كل آثار "آي" و"توت عنخ آمون" من كل الجدران والمعابد.
هوارد كارتر ومزاعم سرقة الآثار
تشير أدلة جديدة إلى أن عالم الآثار الذي اكتشف قبر توت عنخ آمون فى أوائل القرن العشرين ربما أخذ لنفسه بعض كنوز الفرعون المصري وظهرت بعض الرسائل التي لم تُنشر من قبل، تزعم أن كارتر ربما يكون قد "سرق" بعض المقتنيات من الموقع، حسب صحيفة الغارديان البريطانية.
فى عام 2010 وصفت مجلة "دير شبيغل " الألمانية هوارد كارتر بـ " مهرب الآثار" وكشف تقرير نشرته المجلة فى ذلك الوقت أن "كارتر" كانت بحوزته صور وثائقية لمقبرة توت عنخ آمون المكتشفة عام 1922، إلا أنه قام بتحريفها، مدعيا أن المقبرة تعرضت قبل اكتشافها للسرقة على أيدى لصوص، وذلك بهدف خداع هيئة الآثار المصرية.
لكن بعض المصادر تشير إلى أن بعض القطع خرجت بمعرفة الحكومة المصرية آنذاك.
ويقول الشماع إن المقبرة التي اكتشفت كاملة وجد بها كميات كبيرة من نباتات البسلة والحلبة والعدس والسمسم والشعير وبذور البطيخ وتوت العرعر وأكليل جنائزي، كل هذه البذور والنباتات خرجت من مصر بغرض الإعارة عن طريق كارتر وبعلم الحكومة المصرية آنذاك.
وهذه البذور الآن هي في حديقة كيو غاردن في لندن ولم تعد إلي مصر مرة أخري رغم أنها خرجت على سبيل الإعارة ويطالب الشماع بعودة هذه النباتات إلي مصر مرة أخرى ويصف كارتر بأنه تآمر لخروج هذه النباتات من المقبرة.
حكاية تقطيع جسد الملك
الدكتور زاهى حواس، عالم الآثار المصرية، يروي فى كتابه " توت عنخ آمون" حكاية تقطيع جسد الملك، ويؤكد حواس أن عملية فحص المومياء لأول مرة جاءت بعد 3 سنوات كاملة من اكتشاف المقبرة، في عام 1925، وكان الغرض الأساسي هو محاولة استخراج المومياء من التابوت، بعد أن ظهرت أمامهم رأس الملك مطلية بالذهب مختفيا خلف القناع الذهبى، بل وملتصق به، وكانت المومياء ملتصقة أيضا بالتابوت.
فضل "كارتر" اخراج التابوت من المقبرة ووضعها تحت أشعة الشمس، اعتقادا بأن "الراتنج"، مادة صمغية استخدمها المصرى القديم، قد يذوب فتنفصل المومياء عن التابوت.
لكن يبدوا أن شمع البرافين الذى سكبه المحنطون القدماء على اللفائف الكتانية أدى إلى التصاقها بالمومياء، مما أدى إلى قيام الطبيب "دوغلاس ديري" بقطع اللفائف الكتانية، وإخراج المومياء من التابوت عنوة.
وقام كارتر وفريقه بقطع الرأس من ناحية الرقبة واستخدموا سكينا ساخنا لفصل الجمجمة عن القناع. وفصلوا أجزاء الجسد عن بعضها ووضعوها مع بعضها البعض مرة أخرى بالراتنغ، ولم يذكر كارتر فى مذكراته أو كتبه أنه قام بتقطيع المومياء ولكن نتيجة فحص المومياء تم اكتشاف ذلك.
ومازالت أثار الملك الذهبي تبوح بالأسرار وتزيد من فتنة العالم بهذا الملك الذي جابت سيرته كل الأنحاء بفضل مقتنياته الجنائزية.