خطاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أمام مجلس اللوردات والعموم البريطانيَّين في الثامن من حزيران (يوليو)، كان خازوقاً لبالون "إسرائيل قوة عظمى إقليمية" الذي أطلقهُ يائير لابيد، رئيس حكومة إسرائيل الأسبق، قبل أربعة أيّام من بدء زيارة بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل الحالي، إلى واشنطن في السابع من تموز (يوليو). كنتُ قد توقعت ظهور لابيد الإعلامي مُسبقاً لأسبابٍ تحدثتُ عنها في مقالي السابق "زيارة نتنياهو: تخصيب لضربة إيرانية جديدة أم نووي دبلوماسي".
التقييم الأولى للأحاديث المتبادلة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونتنياهو تُبيَّن بأنها ما زالت تُحلِّق هي الأخرى في طائرة الضربة الأميركية ضد منشآت إيران النووية في حزيران (يونيو) الماضي. الأخير خاطب العالم قائلاً: "بات الجميع يعرف ما نستطيع فعله أنا والرئيس ترامب". السيد بيبي يسعى للحصول على مناقصة بناء الهيكل الأمني لأوروبا في الشرق الأوسط، فالاتحاد الأوروبي قرر الاستيقاظ الأمني والجيواستراتيجي في العالم. طبعاً، الرئيس ترامب بدأ تلك الدعاية في قمة الناتو الأخيرة التي انعقدت أعمالها في الشهر السابق.
صفقة إيقاف اطلاق النار في غزة، وموضوع حل الدولتين، شغَّلا مايكرويف التصريحات المألوفة لنتنياهو عن أمن إسرائيل، وحكم ذاتي فلسطيني لا دولة فلسطينية. ما اختلف هذه المرَّة هو رفضهُ أن يكون للفلسطينيين دور في ذلك. باختصار، "يريد دولة فلسطينية خالية من الفلسطينيين". هو يحاول في حقيقة الأمر كسب الوقت لخطَّة تهجير الفلسطينيين وحشرهم في مخيمات اعتقال وصِفت إعلامياً بـ"مدينة إنسانية" في رفح. بيبي طالب الجيش الإسرائيلي بذلك قبل زيارته إلى واشنطن.
الأرجح أنهُ يحاول أن يوحي لحماس وإدارة ترامب، اللتين تنتظران هدنة مؤقتة مدتها 60 يوماً في غزة، بأنَّه بات قريباً من معرفة أماكن احتجاز الأسرى الإسرائيليين في القطاع، وبالتالي يدفع حماس لفتح ثغرة أمنية في أدائها تؤدي إلى ضبط ساعة الانتظار الأميركية على توقيت هذا الهدف ولو لعدَّة أيّام، قبل أن ينتفض ترامب من أجل صورته كرئيس سوبر، ويدفع التُهم عنه بعدم قُدرته على انتزاع ولو هدنة مؤقَّتة من صديقه بيبي.
المفارقة، إنَّ رئيس الحكومة الإسرائيلية المشهور بأنه من أعظم الزُّهاد في قول الحقيقة، خاطب العالم في مؤتمرٍ صحفي بعد لقاءه رئيس مجلس النواب الأميركي بطريقة "الهاسبارا"؛ أي الحديث الدبلوماسي الموجَّه للعالم. ثم عاد و باللغة العبرية لمخاطبة الداخل الإسرائيلي الذي يقف الكائنين سموتريتش وبن غفير على رأسه.
البريطانيون من جانبهم، وفي تعبيرٍ جدَّي عن ضرورة إيقاف الإبادة الجماعية في غزة، بدأوا أولاً بتسريب تفاصيل مشروع "ترامب ريفيرا" وتواطؤ توني بلير رئيس وزراء بريطاني أسبق في استمرارية حياة هذا المشروع في الغرف المغلقة. جاء بعده إعلانٌ صريح من وزير الخارجية البريطانية بأنَّ الوايتهول سيفرض عقوبات جديدة على إسرائيل إذا لم توقِف حربها في غزة.
الرئيس ماكرون صرَّح أيضاً في خطابه أمام البريطانيين – خازوق البالون الذي ذكرناه في البداية - بأن إسرائيل لها "دور في هيكلية الأمن الجماعي في المنطقة"، لكن رفض وفي سياق الطرح بأن تُرمى مفاتيح هذا الهيكل في جيب تل أبيب. كما عاد مرَّة ثانية للتأكيد على الرفض الأوروبي لتغيير الأنظمة بالقوة العسكرية، بوصلة الكلمات أشَّرت نحو إيران. الأهم والأكثر إثارة إنه دعا إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب لكن بنسخةٍ أوروبية، داعياً للخلاص من الوصايتين الأميركية والصينية؛ أي العسكرية والتجارية.
أنقرة المشغولة بالتثقيف الاستراتيجي للأتراك عمّا يجري هذه الأيام، ترى أن الغرب الذي حشَّد أكبر قوَّة بحرية ناهزت الـ 66 قطعة بحرية من حاملات طائرات ومدمرات وفرقاطات و... إلخ. و التي بدأت بالتجمع قبل الحرب الإسرائيلية ضد إيران وحتى بعد وقف اطلاق النار بينهما، دليلٌ على إن الجميع يضع أوراقه على الطاولة بدون رفع نسبة الرهان.
المؤكَّد الوحيد هو حدوث إقبال منقطع النظير في موسم الصيف هذا على كتاب "إسرائيل سبب محتمل لحرب عالمية ثالثة" لمؤلِّفه بيرنار غرانوتييه الذي كتبهُ قبل عدَّة عقود. أمّا السذاجة الحقيقية فهي أن يعتقد السيدين ترامب و بيبي بأن الجميع سوف يخاطر بأوراقه الأمنية و الجيواستراتيجية من أجل فوزهما بالمستحيلين معاً "رضى الـ MAGA والأساطير الدينية".