: آخر تحديث
العقل الذي يُهندس الطموح:

بندر الضحيك كما لم يُروَ من قبل

5
4
3

حين تجلس مع بندر بن محمد الضحيك أربع ساعات متواصلة، لا تشعر بمرور الزمن… بل تشعر أنّك تجلس مع الزمن نفسه وهو يُعيد رسم خارطة العقار السعودي من جديد، لا يروي لك أحلاماً معلقة في الهواء، بل يُريك الطوب، الأسمنت، والأرقام وهي تتراقص في هندسة منضبطة، كأنّها مفرزة من برنامج حسابي دقيق، لكنها دافئة بنبض الإيمان والثقة والجرأة.

برفقة الصديق الإعلامي عبدالوهاب القحطاني، خضنا جلسة لا تشبه أي لقاء تقليدي. لم تكن مقابلة إعلامية، بل كانت أقرب إلى فتح خارطة ذهنية لرجل يمسك بمفاتيح التحول العقاري في المملكة، رجل يقود شركاته كما لو كان يقود كتيبة مؤمنة بأن المستحيل ليس له عنوان في قاموسه. بندر الضحيك ليس رجل أعمال بالمعنى الكلاسيكي، هو أشبه بعالم يشتغل على معادلة معقدة، ولكن معادلاته ليست على الورق… بل على الأرض، في الحي، في الشارع، في متروك المدن ونبض طموحات الشباب.

في لغته انسياب فكري لا يصطنع التواضع، وفي عينيه بريق قائد يعرف أنه لا يملك رفاهية الوقت، بل يملك مسؤولية صناعة الزمن. ما بين (عنان) و(ميان) و(همم) و(ديل) وغيرها، ينسج خيوط مشروع متكامل، لا يركن إلى السوق، بل يصنع له قوانينه. سألته عن سر هذا الحضور المتصاعد، فأجاب دون تكلّف: نحن لا نطارد الأرباح… نحن نطارد المعنى، عندها فقط فهمت أنه لا يتحدث عن طوبة تُبنى… بل عن فلسفة تُغرس في وجدان السوق.

استراتيجيته في العمل تشبه خريطة طيران محكمة، حيث لا مجال للمصادفات. يبدأ من تحليل البيانات السكانية، ثم يتدرج عبر فهم الأنماط السلوكية، قبل أن يدخل في صلب التكاليف والاحتياجات المستقبلية. بندر لا يبني ليبيع، بل يبني ليؤسس مفهوماً جديداً للعقار: أن يكون المنزل تجربة، لا جدراناً؛ أن تكون المجاورة فلسفة، لا مصادفة؛ أن تكون المدينة كياناً واعياً، لا فقط بنياناً ممتداً.

الرجل يتحدث بلغة الاقتصاد، لكنه لا يغفل الإحساس. في كل مشروع، يزرع شجرة، يفتح نافذة تطل على الضوء، يضع في مخططاته مدارس وحدائق ومسارات صحية، لأنه يدرك أن البناء ليس مسؤولية إنشائية، بل رسالة أخلاقية، أما حديثه عن الاستدامة لا يشبه ما نقرأه في الكتيبات التقليدية، إنه يُحمّلها مشاعر، يجعل منها التزاماً ذاتياً، لا مطلباً حكوميّاً، في كل عبارة له، تشعر أن البوصلة تشير إلى رؤية 2030، لا بوصفها شعاراً، بل باعتبارها التزاماً وطنياً ووجدانياً نابعاً من الداخل…

خلال الساعات الأربع، كان عبدالوهاب القحطاني يفتح الدروب بأسئلته المتقنة، بينما كان بندر (أبو فيصل) يُشيد جدران الإجابات بصبر البنّاء وحكمة المخطط. كل جملة له محمّلة بالرؤية، وكل صمت بين العبارات، كان كأنه ينسج فكرة جديدة. لا ينفعل، لا يبالغ، لكنه حين يُقنع، يُقنع كما يفعل المعماري حين يُقنع الطوب بأن يصطف على هيئة قصيدة.

هذا الرجل يحمل في قلبه نواة مدينة لم تُبْنَ بعد. لا يخشى من تحولات السوق، لأنه لا يقف في منتصفه، بل يصنع حركته. لا يخاف من المنافسة، لأنه لا يقف عند حدود العائد، بل يتجاوزها إلى سؤال أعمق: ماذا سيبقى من مشاريعنا بعد عشرين سنة؟ بندر الضحيك لا يُراهن على اللحظة، بل يُبرمج المستقبل. يرسم في أوراقه صورة المملكة الجديدة كما يحلم بها جيلٌ لا يقبل أن يسكن في مدن تُشبه غيرها!

ومن اللافت أنّه بالرغم من انشغالاته، لا يفوّت فرصة لصناعة الفارق في التفاصيل الصغيرة. يحدّثك عن التصميم الداخلي كما لو كان فناناً، وعن العزل الصوتي كما لو كان عالم فيزياء. ثم ينتقل بسلاسة إلى الحديث عن الاقتصاد الرقمي والعقار الذكي وكأنّه أحد مصممي سياسات الغد. لم يترك في حديثه ثغرة، ولم يتهرب من سؤال. إنّه رجل يملك أجوبة لأنه يملك تجربة، لا فقط معلومات.

الوقت معه كان كأنه امتداد لعقد اجتماعي خفي بينه وبين الأرض. يحترم الأرض لأنها تمنحه فرصة التغيير، ويقدّس الطموح لأنه لا يرى في حدود الواقع إلا بداية جديدة. في نظره، كل متر مربع هو احتمال مفتوح، وكل عقبة هي درس في الهندسة، وكل تأخير في السوق هو فرصة لإعادة التصميم. لا يتذمر، لا يهاجم السوق، بل يعيد تعريفه.

وحين سألناه عن سر النجاح، قال ببساطة: الانضباط، ثم الانضباط، ثم الانضباط. لم يتحدث عن عبقرية خارقة، ولا عن علاقات واسعة، بل عن ما أسماه (إتقان التفاصيل) والحق، فإن هذا الرجل قد بنى مجده من لبنات غير مرئية: الالتزام، والوضوح، والإيمان بأن العزيمة أقوى من السوق، وأن الحلم لا يشيخ إذا كان مبنياً على رؤية صلبة.

بندر الضحيك ليس ظاهرة مؤقتة في سماء العقار… بل هو حالة ذهنية يجب أن تُدرس. رجل إذا دخل السوق، أدخله في عهده الجديد. وإذا خطّط، ترك خلفه مدينة تتنفس الذكاء والجمال. وإذا تكلم، أزاح غبار التكرار عن فكر السوق العقيم.

من يسمعه، يوقن أن المملكة تقف على أعتاب ثورة عمرانية يقودها عقلٌ نابه، لا يخاف من كبر الرؤية ولا من ضيق الطريق. أربع ساعات كانت كافية لنشهد لحظة يقظة في تاريخ السوق العقاري… لحظة صاغها بندر الضحيك بكامل الوعي، وبحضور لا يشبه إلا الكبار حين يقررون أن لا يمرّوا مروراً عابراً في تاريخ بلادهم العظيمة في عهد صانع الرؤية وعرّاب الكوكب الأمير محمد بن سلمان صانع التحولات العظيمة وقائد شعب طويق العظيم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.