يوم العاشر من آذار (مارس) الماضي، وبعد ساعات قليلة على زيارة قائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي دمشق ولقائه بالرئيس الانتقالي أحمد الشرع والإعلان عن التوقيع على اتفاق بين قسد والسلطة الجديدة، أخبرني أحد المطلعين بشكل حثيث على الملف السوري بأن قيمة الاتفاق لا تتعدى ورقة الـA4 التي كُتب عليها.
يومها ذهب الضخ الإعلامي الكبير وبعيد الزيارة واللقاء والاتفاق باتجاه القول بأن جميع الأمور قد سُوِّيت، وأن السلطة الجديدة ستتسلم المناطق التابعة لسيطرة قسد، وذهب المتفائلون أبعد من ذلك عبر الإيحاء بأن مظلوم عبدي سيتسلم منصب نائب رئيس الجمهورية.
المصدر المطلع استند في معلوماته وتحليله بأن الطرفين أُرغما على هذا اللقاء، الشرع من جهته كان يواجه أزمة في الساحل، وبالتالي كان من الضروري الخروج بحدث على هذا المستوى لجذب الأنظار عن الأحداث التي وقعت في الأيام السابقة بغرب سوريا، بينما لم يرد عبدي صد الأبواب بوجه الأطراف الساعية إلى تحقيق تقارب بين شمال شرق سوريا والعاصمة دمشق.
وفي نظرة سريعة إلى بنود اتفاق 10 آذار يتبين جلياً بأن الطرفين اتفقا على مبادئ عامة، دون الخوض جدياً في نقاشات عميقة تثمر اتفاقاً صلباً، فالأحداث أثبتت أن دمشق تريد حكماً مركزياً بينما الأكراد يطالبون باللامركزية، والسلطة الجديدة تريد وضع يدها على الثروات في الجزيرة العربية بينما تتمسك الإدارة الذاتية بإدارة الملف، ثم إن الملف العسكري بقي بعيداً عن الحل، فقسد تريد الانضمام ككتلة واحدة بينما تريد وزارة الدفاع دمجها بشكل كامل، الأمر الذي يراه الأكراد بمثابة تذويب، وبرزت أيضاً إشكالية تسمية الجمهورية إن كانت عربية سورية، أو سورية، أو سورية ديمقراطية.
وبعد أربعة أشهر برزت الهوة بشكل كبير بين سلطة الشرع وإدارة عبدي، فاللقاء الذي جمع الأخيرة بممثلين عن الأول لم يُكتب له النجاح بل على العكس ساهم في إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولم تنجح محاولات مبعوث الرئيس الأميركي، طوم براك، في دفع الأكراد إلى القبول بشروط دمشق.
لقاء التاسع من تموز (يوليو) كشف أيضاً عن امتعاض كردي من دور براك الذي بدا ومن خلال حديثه أنه يميل نحو طروحات وأفكار دمشق، بعدما تحدث علناً عن عدم إمكانية نجاح الحل الفدرالي في سوريا أو بتعبير أوضح اللامركزي الذي تطالب به قسد والإدارة الذاتية، علماً بأن الأكراد سمعوا نصائح بأن لا يطالبوا بالفدرالية كي لا يخلقوا حساسية لدى الأتراك والاستعاضة عنها باللامركزية لكن تبين أن دمشق مصرة على الحكم المركزي.
ومع الفشل في التوصل لاتفاق، بدأ الحديث عن إمكانية نشوب مواجهة عسكرية في الشمال الشرقي بدعم تركي لإخضاع قسد وترويضها بالتزامن مع تخلٍّ أميركي عنها، لكن هذا الأمر ليس بالسهل في الوقت الحالي بظل الجهود التي تبذلها سلطة أحمد الشرع لتوطيد وجودها في المحافظات السورية وتعزيز نفوذها، وبناء قدراتها العسكرية والأمنية، كما أن الأكراد يتمتعون إلى حد ما برعاية أوروبية وعلى وجه الخصوص فرنسا، والأخيرة، رغم دورها منذ الثامن من ديسمبر 2024 بإظهار الدعم لدمشق، غير أنها لا تريد كسر الأكراد أمام أردوغان.
الخوف الأكبر يتمثل أيضاً في أن أي مواجهة في منطقة الجزيرة قد تفتح على الرئيس أحمد الشرع مواجهات في مناطق ومحافظات أخرى، وبالتالي سيتشتت تركيز جيشه، وإن أقدم على المعركة ثم عاد عنها بدون حسم، فإن ذلك يعني إقدام دمشق على إعطاء قسد نصراً يجعلها ترفع من منسوب شروطها، وتنتقل علناً للمطالبة بالفدرالية لا اللامركزية دون مراعاة تركيا.