خلال قمة مجموعة السبع "G7" في كندا منتصف الشهر الماضي، سعى الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، الذي حضر بدعوة من الدول الأوروبية في المجموعة، إلى عقد لقاء مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من أجل طلب شحنات أسلحة وصواريخ وأنظمة دفاعية.
بيد أن اللقاء لم يُعقد نتيجة عودة الرئيس الأميركي إلى بلاده بشكل مفاجئ، نُسب وقتها إلى تطورات الصراع بين إسرائيل وإيران، فيما أشارت بعض التسريبات إلى أن تعمد عدم الاجتماع بالرئيس الأوكراني، من ضمن سياسته الرامية إلى تشديد الضغوط على كييف للتخفيف مما يعتبره غلواً في الشروط من أجل إبرام تسوية مع موسكو تضع حداً للصراع المندلع منذ شباط (فبراير) 2022.
إلا أن مصاعب كييف لا تقف عند هذا الحد، بل تتخذ مساراً أسوأ بكثير مع قرار ترامب تقييد شحنات الأسلحة إليها، حيث قالت مجلة "الإيكونوميست" البريطانية بالاستناد إلى مصادر أوكرانية، إن واشنطن أوقفت شحن جميع أنواع الأسلحة والذخائر.
وفي 2 تموز (يوليو) الجاري، قالت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية إن واشنطن علّقت عمليات شحن الصواريخ الاعتراضية لمنظومة "باتريوت" الدفاعية، الأمر الذي يعرض الحواضر الأوكرانية إلى الانكشاف التام أمام الجيش الروسي، بالإضافة إلى الذخائر العالية الدقة، وصواريخ "هيلفاير" الهجومية، وصواريخ "ستينغر" الهجومية ضد الطائرات التي تُحمل على الكتف، وأنواع أخرى من الأسلحة.
كل ذلك زاد من حجم المصاعب التي تجابهها القوات الأوكرانية وأذرعها الرديفة من المرتزقة في مواجهة التقدم الميداني للقوات المسلحة الروسية، وفقدانها المزيد من الأراضي، حيث تقترب موسكو من إحكام سيطرتها على جمهوريتي "دونيتسك" و"لوغانسك"، ومقاطعتي "زابورجيا" و"خيرسون"، فضلاً عن اقترابها من دخول مدينة "دنيبروبتروفيسك".
تشير التقارير إلى أن روسيا سيطرت مؤخراً على المنطقة الواقعة بين نهري "فولتشيا" و"موكري يال" في "دونيتسك"، مما يتيح لها إنشاء رأس جسر إضافي لدخول "دنيبروبتروفيسك".
حراجة موقف كييف دفعت خارجيتها إلى استدعاء القائم بالأعمال الأميركي جون غينكل لبحث هذه التطورات والاحتجاج على سياسة التخلي عنها عبر توقيف شحنات الأسلحة. ويُذكر في هذا الصدد أن تدفقات الأسلحة الأميركية المحدودة عائدة إلى العقود المبرمة إبان حقبة الرئيس الأسبق جو بايدن.
بيد أن أوروبا سارعت إلى التدخل لتقويض السياسات الأميركية، كما اعتادت الفعل منذ أن استبعدها ترامب عن طاولة مفاوضات التسوية. وتعتزم الدول الأوروبية استخدام فوائد الأصول الروسية المجمدة لتمويل عمليات تسليح أوكرانيا، وتعويضها عن الفجوة الأميركية.
تُبيّن تقارير إعلامية بريطانية أن رئيس الوزراء كير ستارمر يريد إرسال نحو 350 صاروخ دفاع جوي حديثة، بريطانية التصنيع، ومعدة للإطلاق خلال وقت قياسي، إلى أوكرانيا، على أن يتم استخدام نحو 70 مليون جنيه إسترليني من فوائد الأصول الروسية المجمدة لتمويل هذه الشحنة.
يشير تقرير نشرته صحيفة "الغارديان" البريطانية إلى أنها المرة الأولى التي تستخدم فيها لندن أموالاً مرتبطة بروسيا لتمويل تسليح أوكرانيا بشكل مباشر. هذه الأموال تُودع في حسابات مصرفية، وتُستخدم الفوائد الناتجة عنها.
يقول تقرير "الغارديان" إنه نوقش سابقاً في أروقة القرار الأوروبي استخدام الأصول الروسية نفسها، لكن لم يتم التوصل إلى توافق، حيث أبدت بعض الدول تردداً بسبب الخوف من تقويض ثقة الأسواق ورأس المال في المؤسسات المصرفية والمالية الأوروبية، وسينعكس بالسلب على النظام المالي العالمي كله، ولا سيما بعدما أبدت بعض الدول التي ترتبط بشراكات مع أوروبا رفضها لهذا التوجه، وارتفاع احتمالية تخليها عن بعض الشراكات وبيعها السندات التي تستحوذ عليها.
ومع ذلك، عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأظهر قدراً من المرونة، مع إعلانه منذ أيام قليلة في 7 تموز (يوليو) الجاري، أن الولايات المتحدة سترسل المزيد من الأسلحة الدفاعية إلى أوكرانيا، مشيراً خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى أنها "تتعرض إلى ضربات قوية جداً".
بيد أن إعلان ترامب اقترن بالتعبير عن استيائه من موسكو، بسبب ما عده عدم جنوحها للسلام، وبالتالي فإن موقفه من الإفراج عن بعض شحنات الأسلحة الدفاعية حصراً يرتبط بوضوح بمناوراته السياسية، ويندرج ضمن أدوات الضغط لإبرام اتفاق سلام.
في حين تشير التقارير إلى أن ترامب أراد من خطوته هذه تحقيق عدة أهداف، تشتمل على التأكيد على عدم قدرة أوكرانيا على الصمود من دون المساعدات الأميركية، وفي الوقت نفسه الحد من سياسات بروكسل المتهورة في تسليح كييف مما يسهم في تقويض طروحاته، ولا سيما مع استخدام أدوات تمويل يرفضها، إلى جانب ممارسة بعض الضغوط على روسيا في محاولة لدفعها إلى التخفيف من شروطها الصارمة لإبرام تسوية.
ومع ذلك، تبدو موسكو في وضع مريح للغاية من مختلف النواحي السياسية والاقتصادية وحتى الميدانية، ولا تجد أنها مضطرة إلى تخفيف شروطها، وخصوصاً مسألة ضم "دونيتسك" و"لوغانسك" و"زابورجيا" و"خيرسون"، إذ إنها أوشكت بالفعل على السيطرة الكاملة عليها.
يُضاف إلى ذلك الشرط الروسي الأساسي، وهو إبعاد تهديدات حلف شمال الأطلسي "الناتو" عن حدودها ومجالها الحيوي، ويشتمل على ضمانة تُمنح إليها بعدم ضم أوكرانيا في المستقبل، في وقت يبدو فيه "الناتو" أقرب إلى هيكل متداعٍ مع تراكم الضربات التي يوجهها ترامب إليه وميله إلى التخلص من أعبائه.
علاوة على أن عامل الوقت هو لصالحها في ظل الصعوبات التي تعاني منها كييف، إن كان على صعيد الموارد البشرية، أو على صعيد الموارد العسكرية، وأكثر منها على صعيد الموقف السياسي الذي يزداد ضعفاً.