: آخر تحديث

ماذا وراء عدم اعتراف النظام الإيراني بالهزيمة؟!

4
3
2

تمجيد الانتصارات السياسية والعسكرية والاحتفال بها عرف سائد لدى دول العالم، وفي نفس الوقت فإن الاعتراف بالهزائم في الحالات التي لا مجال فيها للتغطية على الهزيمة واعتراف المسؤول الأول في الدولة بتحمل المسؤولية عن تلك الهزيمة، كما حدث مع الرئيس المصري جمال عبدالناصر بعد حرب حزيران (يونيو) 1967، وكذلك مع الرئيس الأرجنتيني بعد حرب المالفيناس عام 1982، عندما انتصرت القوات البريطانية على القوات الأرجنتينية، لكن يبدو واضحًا بأن هذا العرف لا يمكن سحبه على إيران في ظل حكمها الديني المتشدد السائد حاليًا في إيران، بل والأنكى من ذلك إن هناك سياقًا مغايرًا لذلك.

النظام الإيراني ليس لا يعترف بالهزيمة فقط، بل وحتى إنه يتجاوز الإصرار على التأكيد على إنه المنتصر في حرب الأيام الـ12، إلى حد الزعم بأن الولي الفقيه خامنئي معصوم عن الخطأ، عندما أكد رجل الدين، علم الهدى، ممثل خامنئي في مشهد والمقرب منه في خطبته ليوم الجمعة المنصرم من أن كلام خامنئي ليس مجرد "تحليل سياسي" أو "صلف سياسي"، بل هو "حقيقة مطلقة" و"تكليف إلهي". وعندما قال خامنئي إن إسرائيل "سُحقت"، فإن علم الهدى يصر على أن هذا يعني أنها "سُحقت حقًا"، وأن استخدام كلمة "تقريبًا" كان فقط من باب "الاحتياط"!

بسياق موازٍ لما زعمه رجل الدين علم الهدى من كون كلام خامنئي "الحقيقة المطلقة"، فقد وصف رجل الدين حسيني همداني، ممثل خامنئي في مدينة كرج في خطبة الجمعة أيضًا بأن حرب الأيام الـ12، كانت مجرد "مناورة تدريبية أولية"، بما يوحي وكأن النظام قد حقق نصرًا ملفتًا للنظر فيها، لكنه إذا ما خاض مواجهة أخرى فإنه سوف يسحق خصومه، وهو كلام، بحسب المعطيات والمدلولات والحقائق، أقل ما يمكن أن يُقال بشأنه هو إنه مجافٍ للحقيقة والواقع كثيرًا.

من دون شك، فإن المزاعم التي أوردناها آنفًا مع عدد كبير من التصريحات والمواقف الأخرى الصادرة عن مسؤولين في النظام وعن وسائل الإعلام التابعة للنظام، تسير كلها باتجاه مغاير للحقيقة والواقع، في وقت وكما تؤكد تقارير مختلفة واردة من الداخل الإيراني بأن الشعب الإيراني مقتنع تمام الاقتناع بأن النظام قد تمت هزيمته شر هزيمة، وهو يسخر من كل ما يُقال بخلاف ذلك، وهو أمر يدل على مدى تخوف النظام عمومًا والولي الفقيه خصوصًا من الاعتراف بالهزيمة وتحمل المسؤولية، وقطعًا إن لذلك علاقة كبيرة جدًا بالأوضاع الصعبة والحرجة جدًا للنظام، ولاسيما وإنه يبدو كمحاصر من كل الجهات، وليس في إمكانه الإفلات هذه المرة، إذ عليه أن يحدد موقفًا من المطالب الدولية التي وبعد الحرب الأخيرة قد تم رفع سقفها، فهو يعلم جيدًا بأن اشتعال الشارع الإيراني هذه المرة لن يكون كما كان الحال في المرات السابقة، ولذلك يريد النظام وبكل ما في وسعه استغلال العامل الزمني وعدم سماحه بأي أمر يمكن أن يقود إلى تأزيم أو إشعال الشارع الإيراني، لكن السؤال هو: إلى متى سيبقى النظام مستمرًا على هكذا حالة؟

يكشف السلوك الأخير لخامنئي بعد بدء الحرب في 13 حزيران (يونيو) 2025 مع إسرائيل، وغيابه 22 يومًا عن الأنظار، خاصة في المراسم الدينية الهامة لشهر محرم التي كانت تُعقد دائمًا بحضوره على مر السنوات الماضية، تناقضًا واضحًا مع تصريحاته السابقة. إن هذا الغياب الطويل نسبيًا لخامنئي يحمل أهمية رمزية عالية، بحيث يمكن القول إنه جاء على حساب فقدان جزء من مصداقيته السياسية والمعنوية بين قواته الموالية والتقليدية.

إن التناقض بين الخطاب السابق والأداء الحالي قد وضع مصداقية ادعاءات خامنئي السابقة حول الشجاعة والحضور في الخط الأمامي موضع تساؤل كبير. على وجه الخصوص، إن عدم حضوره في مراسم تشييع القادة العسكريين البارزين الذين قُتلوا، مثل علي شادماني، ومحمد باقري، وحسين سلامي، يشير إلى عزلته في أحرج اللحظات، مما أدى بدوره إلى إضعاف مكانته بصفته "القائد العام للقوات المسلحة".

يجب البحث عن سبب اختفاء خامنئي بعد قبول وقف إطلاق النار وانتهاء الحرب وتفسيره في كونه خاسرًا. هذه هي "الحقيقة غير المعلنة" التي يخشى خامنئي الاعتراف بها، ويُعتبر ظهوره المتأخر لـ"البسيج" و"الحرس" فاقدي الروح المعنوية، أشد قساوة من عدم ظهوره. لقد كان لديه في "الخفاء" و"الغياب الإجباري" رواية شعبوية مفادها أنه في الظروف الطارئة يجب حماية حياة "القائد" من الأعداء! لكن حضوره يشير إلى "قائد" مهزوم، ولم تستقبل أي فئة من القوات الموالية للنظام هذا الظهور الضعيف بالترحيب.

تعكس ردود الفعل الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي تغيرًا في نظرة الرأي العام إليه. هذه الردود، التي كانت مصحوبة بالسخرية والاستهزاء، تُظهر أن غيابه لم يضر بمصداقيته الشخصية فحسب، بل أدى أيضًا إلى إضعاف موقف النظام كقوة مقاومة في وجه الأعداء الخارجيين. ومع ذلك، من المحتمل أن خامنئي ومقربيه قد توصلوا إلى نتيجة مفادها أنه بالعودة للظهور العلني في مراسم عاشوراء الدينية 5 تموز (يوليو) الموافق للعاشر من شهر محرم عام 1447 هجري قمري، يمكنهم تعويض هذا الضرر الذي لحق بمصداقيته إلى حد ما. لكن، وكما يقول المثل الإيراني الشهير: "الماء الذي ذهب لن يعود إلى مجاريه!".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.