: آخر تحديث
المالكي ملكاً:

متلازمة الرقم واحد في قوائم بغداد الانتخابية

9
9
8

شهدت العاصمة خلال الأيام الماضية احتلال الرقم "واحد" للقوائم الانتخابية لبعض السياسيين العراقيين. أهميَّةُ الرقم الرمزية فضحت الطمع السياسي الذي يود هؤلاء السياسيون قبضه من صندوق نتائج الانتخابات القادمة. عند بعضٍ من بعض هؤلاء اُستخدِم لتعويض قُصر الرقبة الجماهيرية بالإعلان عن طولٍ افتراضي لقامتهم السياسية. لكن عند نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون كان إعلاناً عن إعادة برمجة العملية السياسية بـ "أحدان" – جمع واحد - سنية وأصفار شيعية.

محمد شياع السوداني لن يُحالفه الحظ بالحصول ولو على صفرٍ في هذا الشوط البرمجي. أحدُ أعضاء الفريق السياسي للمالكي تَهَكْمَ على "واحد" رئيس الحكومة الذي يرأس حالياً تحالف "الإعمار والتنمية" بالقول "سالب واحد". أيضاً، حظ بعض "أحدان" السنة الموثوقين تاريخياً عند المالكي مثل محمود المشهداني رئيس برلمان العراق الحالي، ضربها الأول في العاشر من أيار (مايو( 2025 للضرورات البرمجية. الحُجَّة أنَّ الثاني تحدَّث عن "انحسار الحاكمية الشيعية". أمّا ضرورة التوازنات بين بقية "أحدان" السنة في بغداد فقد استدعت الجمع بين ثقيلها وخفيفها، مثل محمد الحلبوسي رئيس حزب تقدم، وزياد الجنابي رئيس حزب التشريع الوطني.

المالكي وكما وصفتهُ قبل أعوامٍ ثمانية "رجلٌ مولع بفنون السُلطة التي تحب التوازنات". ولهذا كان اهتمامُ حزبه بالمناصب الوزارية متواضعاً، فـ"السُلطة لا تشيخ كالمنصب". هو يحاول اليوم أن يُعيد إحياء الإيمان القديم لقولٍ مأثور، جاء على لسان عباس البياتي، أحد المتقاعدين الآن عن القُرب السياسي منه، "إذا لم يكُن المالكي موجوداً فيجب أن يُستنسخ".

السؤال "لماذا يقوم المالكي الآن بالإعلان عن استعداده لدفع سعر منصب رئاسة الحكومة القادمة من خزينة سُلطته"؟

تبدأ الإجابة من جاسم محمد جعفر، القيادي في حزب الدعوة الإسلامية. كان قد صرَّح قبل أعوامٍ عديدة " إنَّ حزب الدعوة سيحصل على الولاية الخامسة والسادسة، ويبقى على حكم العراق الى يوم القيامة، بإرادة الناس ومرجعية النجف والدعم الإيراني". المالكي الذي يمثِّل "مرحلة ممارسة السُلطة" أو "المرحلة العاشرة" في أدبِ تأريخ المنظرين للحزب، يحاول - على ضوء ما قاله القيادي في الحزب - إعادة النقاء المذهبي للعملية السياسية التي تعكَّرت بالصفاء الوطني لـ "ثورة تشرين" في أكتوبر 2019. المشكلة إنه لم يعُد ممكناً بعد ذلك التاريخ استخدام لُغة برمجية بسيطة مثل قوله المأثور "فسطاط يزيد وفسطاط الحُسين".

قام بتعديل الخوارزميات منذُ عام 2021 باستنساخ يزيد كـ "بعثي". رائعةُ النسخ هذه تتفقُ مع ميزتين له. الأولى قُدرة عقله على استنساخ تجارب السياسيين قبل وبعد عام 2003. كان أول منصب للمالكي في زمن الفوضى الديمقراطية استلامهُ مسؤولية الأمن في مجلس الحكم، واستمتاعه بساعاتٍ طويلة من العمل كما ذكرت صُحفٍ أميركية عديدة "كان يعمل منذُ السابعة صباحاً وحتى منتصف الليل". باختصار اشتغل كـ "نُسخةٍ إسلامية من رئيس النظام السابق البعثي". أمّا ميزتهُ الأُخرى فقد كانت قُدرته على "السكون ثمَّ الانطلاق السياسي فجأةً وبسرعة رصاصة". عندما تولى رئاسة الحكومة عام 2006، كتب نقطة نهاية السطر لـ إبراهيم الجعفري وابتدأ سطرهُ السياسي المؤثِّر كأمين عام حزب الدعوة الإسلامية عام 2007. ثمَّ ضرب جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر في البصرة عام 2008 بمساعدة القوات الأميركية حينها، والتي كان يرأسها الجنرال ريمون أوديرنو.

سقوط نظام الأسد في كانون الأول (ديسمبر) 2024 وصعود أحمد الشرع في دمشق، كان فُرصة إضافية لجعل برمجة "البعث" أكثر جذباً وامتلاءً بالتهديدات القديمة الجديدة "الأصفار الشيعية التي تُفكِّر بلغة" أحدان" فاعلة، إمكانية ثورة تشرين أن تكون "واحد" مؤثِّر، وتحويل تهديد "أحدان" السنة الوازنين إلى فُرصة انتخابية". دخول القوائم السنية في بغداد هدفهُ زيادة استقطاب الشارع الشيعي لصالح المالكي "القائد الضرورة" بحسب تعبير حيدر العبادي وهو رئيس حكومة أسبق. الأهم أن طفو اللاعبين السنة في بغداد سيضمنُ إغراق المليشيات في غوَّاصة "الإطار التنسيقي" الشيعي، وبالتالي إبعادها عن الرصد الدولي.

اياد علاوي رئيس ائتلاف الوطنية الذي كان "واحد" الهوية الوطنية في انتخابات عام 2010، فضَّل أن يكون في هذا الشوط البرمجي واحداً من الأصفار الشيعية. أعلن بأنَّه "يتشرَّف بالبعث". كان ذلك قبل ثلاثة شهور. علاوي انتقل منذُ عام 2018 من سياسي إلى مسيح دعائي يحيي ويُميت. أعلن في ذلك العام وبجانبه لطيف الهميم رئيس أسبق للوقف السني عن "موت القومية العربية". ثمنُ معجزةُ علاوي "إحياء البعث" في 2025 كان ركوب ابنته في قطار المستشارين الذي لا يمتلأ لحكومة السوداني. كردستان العراق بدورها، ولأنها "واحد" لا بدَّ منها للعملية السياسية بعد عام 2003، شاركت في لُعبة الميت الحي البعثي بالصمت و بعقود نفطٍ جديدة مع شركاتٍ أميركية.

هادي العامري وقيس الخزعلي اللذان يسبحان كأصفارٍ فصائلية في بُحيرة المرشد الأعلى الإيراني، تعاونا بحكم الضرورة مع المالكي. ذهبا معهُ إلى المحافظات لُيشرِفوا على ولادة "أحدان" سنة في محافظات ديالى، صلاح الدين، نينوى، وكركوك. الغاية تهجير العراقيين من الهوية الوطنية إلى الجلود المذهبية في حفل الدبغ الانتخابي المقبل.

لعبةُ "أحدان" السنة والشيعة الذين يعتبرهم المالكي صفراً، تؤمِّنُ رؤية المجتمع الدولي للعراق كـ "بلد ديمقراطي". لكنَّ المالكي "واحد" لم يجِد إثماً في نسف جهود التقارب بين بغداد والعواصم العربية التي وصفها نائبٌ في فريقه الحزبي بـ "الجرب العربي". كان ذلك في 27 أيار (مايو) 2025. وقيادي آخر هاجم الدوحة في 29 أيار (مايو) 2025. نسي المالكي موقفها الذي كان في غاية النُبل مع العراق والذي لا يمكن نسيانه أبداً؛ ذكَّرت الجميع بأنَّ "شيعة العراق عرب".

رقم "واحد" المالكي قرر الرقود على بغداد عسى أن يحقق أمنيته القديمة "كسر بيضة النظام البرلماني ليفقس نظاماً رئاسياً بعد الانتخابات القادمة". مُستعيناً بـ "البعث" كقشرة يرميها على أيَّ حِراكٍ جماهيري يسعى للتغيير عبر الانتخابات. أمّا "أحدان" شركاء الضرورة كـ قيس الخزعلي فهم يسعون إلى أهدافٍ أكثر تواضعاً في هذه المرحلة، مثل توريث منصب قادة الفصائل من "الآباء المتقاعدين إلى الأبناء".


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.