: آخر تحديث

حماس... وقراءة في بيانات التخلي عن حكم غزة

11
8
7

هل تعكس بيانات حماس الإرهابية الأخيرة حول إمكانية التخلي عن حكم غزة تحولاً حقيقياً في موقفها، أم أنها مجرد مناورة سياسية تهدف إلى كسب الوقت وتحسين صورتها أمام المجتمع الدولي؟ وما هي دلالات التلاعب اللغوي في خطابها السياسي الذي يتأرجح بين "المقترحات" و"الإمكانيات" دون التزامات واضحة؟

تكشف بيانات حركة حماس الأخيرة عن تناقضات جوهرية تعكس حالة من الارتباك الاستراتيجي والتخبط السياسي الذي تعيشه الحركة بعد أكثر من 19 شهراً من العملية العسكرية الإسرائيلية التي أعقبت الهجمات الإرهابية في 7 أكتوبر. فالحركة الإرهابية التي قادت غزة نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة، تحاول اليوم تقديم نفسها كطرف مسؤول يبحث عن حلول سياسية، متناسية أنها السبب الرئيس في المأساة الراهنة.

يبدو جلياً للمتابع المتمعن أن حركة حماس الإرهابية تستخدم استراتيجية التلاعب بالمفردات كأداة للمراوغة السياسية. فهي تتحدث عن "إمكانية" التخلي عن حكم غزة، وتقدم "مقترحات" للحل، وتطرح "أفكاراً" للتسوية، دون أن تقدم التزامات واضحة أو خطوات عملية. هذا الاستخدام المدروس للغة يهدف إلى خلق انطباع بالمرونة والاستعداد للتفاوض، بينما تحتفظ الحركة في الواقع بمواقفها المتشددة وشروطها التعجيزية.

تعكس المستجدات الحالية حقيقة مفادها أن حركة حماس الإرهابية أدركت، وخاصة بعد الضربات الأخيرة التي استهدفت قياداتها وعلى رأسها اغتيال محمد السنوار شقيق يحيى السنوار، أن مصيرها المحتوم هو الزوال. فدولة إسرائيل، التي أخذت على عاتقها تصفية قيادات الحركة الإرهابية، لن تتوقف حتى تحقق هدفها المعلن بالقضاء على البنية العسكرية والتنظيمية للحركة. وفي ظل هذا الواقع المرير، تحاول حماس الإرهابية استخدام ورقة المفاوضات والتصريحات السياسية لإطالة أمد المعركة، على أمل حدوث متغيرات إقليمية أو دولية تنقذها من مصيرها المحتوم.

تدل الشواهد أن حماس تدرك تماماً أنها أقدمت بفعلها الإرهابي في 7 أكتوبر على عملية تدمير ذاتي ليس فقط لبنيتها التنظيمية، بل لقطاع غزة بأكمله. فالحركة التي طالما ادعت أنها تدافع عن مصالح الشعب الفلسطيني، قادت هذا الشعب نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة، وتسببت في تدمير البنية التحتية للقطاع، وفي مقتل وتشريد عشرات الآلاف من المدنيين. واليوم، وبدلاً من الاعتراف بمسؤوليتها عن هذه الكارثة، تحاول الحركة المتاجرة بمعاناة أهالي غزة واستخدامهم كورقة ضغط في مفاوضاتها مع دولة إسرائيل.

يستنتج المراقب من خلال تحليل المشهد أن حركة حماس الإرهابية تسعى من خلال تصريحاتها الأخيرة حول إمكانية التخلي عن حكم غزة إلى تحقيق عدة أهداف: أولاً، كسب تعاطف المجتمع الدولي من خلال إظهار نفسها كطرف مرن مستعد للتنازل. ثانياً، إطالة أمد المفاوضات لكسب الوقت وإعادة ترتيب أوراقها. ثالثاً، محاولة إيجاد مخرج آمن لقياداتها التي باتت مهددة بالتصفية. رابعاً، تحميل مسؤولية إعادة إعمار غزة لأطراف أخرى مع الاحتفاظ بنفوذها السياسي والعسكري.

تتجلى حقيقة الموقف في أن حركة حماس الإرهابية تدرك أن الموت بات حليفاً لقياداتها سواء داخل غزة أو خارجها. فدولة إسرائيل، التي نجحت في اغتيال العديد من قيادات الحركة، بمن فيهم محمد ويحيى السنوار، لن تتوقف حتى تحقق هدفها المعلن بالقضاء على البنية القيادية للحركة كاملة. وفي ظل هذا الواقع، تحاول حماس الإرهابية التودد للولايات المتحدة على أمل أن توفر لها غطاءً سياسياً يحميها من المصير المحتوم. لكن هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل، لأن الإدارة الأمريكية، رغم دعوتها لوقف إطلاق النار، لن تقبل بعودة حماس الإرهابية للسيطرة على غزة بعد أحداث 7 أكتوبر الإرهابية.

حماس تحاول من خلال تصريحاتها الأخيرة خلق انطباع بأنها تتفاوض من موقع قوة، بينما الواقع يشير إلى أنها في أضعف حالاتها. فالحركة التي فقدت معظم قدراتها العسكرية، وتعرضت قياداتها للاستهداف المباشر، وفقدت السيطرة على مساحات واسعة من القطاع، تحاول اليوم إيهام العالم بأنها لا تزال قادرة على فرض شروطها. هذا التناقض بين الخطاب والواقع يعكس حالة الإنكار التي تعيشها قيادة الحركة، والتي تحاول من خلالها التغطية على حجم الكارثة التي تسببت فيها.

بلا شك أن حماس تتعامل مع قضية المختطفين الإسرائيليين كورقة ضغط وحيدة متبقية لديها. فالحركة التي تحتجز عشرات المختطفين الإسرائيلين، تحاول استخدامهم كوسيلة للضغط على إسرائيل والمجتمع الدولي. لكن هذه الورقة أيضاً بدأت تفقد فعاليتها مع مرور الوقت، خاصة مع تزايد الضغوط العسكرية الإسرائيلية، وتصاعد المطالبات الدولية بالإفراج عن المختطفين دون شروط. وفي ظل هذا الواقع، تحاول حماس الإرهابية المتاجرة بقضية المختطفين من خلال طرح مبادرات غامضة وغير واضحة، هدفها الأساسي كسب الوقت وليس التوصل إلى حل حقيقي.

حماس تدرك أن مستقبلها السياسي في غزة بات محل شك كبير، فالحركة التي حكمت القطاع لأكثر من 15 عاماً، فشلت في تحقيق أي إنجاز حقيقي لسكانه، بل قادته نحو حروب متتالية أدت إلى تدمير بنيته التحتية وتدهور أوضاعه الاقتصادية والإنسانية. واليوم، وبعد كارثة 7 أكتوبر الإرهابية، بات من الصعب تخيل عودة حماس للحكم في ظل الرفض الإسرائيلي والدولي لذلك. وفي ظل هذا الواقع، تحاول الحركة من خلال تصريحاتها الأخيرة حول إمكانية التخلي عن الحكم، تقديم تنازلات شكلية مع الاحتفاظ بنفوذها الفعلي، وهو ما ترفضه دولة إسرائيل بشكل قاطع.

يمكن القول، إن بيانات حماس الأخيرة حول إمكانية التخلي عن حكم غزة ليست سوى محاولة يائسة للبقاء على قيد الحياة السياسية. فالحركة التي أدركت أن نهايتها باتت وشيكة، تحاول اليوم تقديم تنازلات شكلية على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه. لكن هذه المحاولة محكوم عليها بالفشل، لأن إسرائيل لن تقبل بأقل من تفكيك البنية العسكرية للحركة والقضاء على قدرتها على تهديد الأمن الإسرائيلي، وهو ما يعني عملياً نهاية حماس كفاعل سياسي وعسكري مؤثر في المشهد الفلسطيني.

إن التلاعب بالمفردات الذي تمارسه حماس في بياناتها الأخيرة يعكس حالة الإنكار والتخبط التي تعيشها الحركة. فهي تدرك أنها أقدمت بفعلها الإرهابي في 7 أكتوبر على عملية انتحار سياسي وعسكري، لكنها بدلاً من الاعتراف بمسؤوليتها عن الكارثة، تحاول اليوم المتاجرة بمعاناة أهالي غزة والتفاوض على جثثهم. هذا السلوك لا يعكس فقط انعدام المسؤولية السياسية، بل يكشف أيضاً عن الطبيعة الحقيقية لحركة إرهابية وضعت مصالحها التنظيمية فوق مصالح الشعب الذي تدعي تمثيله، وقادته نحو كارثة إنسانية غير مسبوقة في التاريخ الفلسطيني المعاصر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.