مع اختتام الجولة الخامسة من المفاوضات بين الولايات المتحدة والنظام الإيراني فإن السؤال الذي يجب طرحه ليس ما هو السبيل من أجل كسر حالة الجمود الجارية على المفاوضات، وإنما ما هو السبيل من أجل الحصول على ضمان يمكنه أن يحسم حالة القلق الدولية بخصوص المشروع النووي للنظام الإيراني؟!
حالة الجمود الحاصلة والتي تخيم بظلالها على المفاوضات الجارية من جراء الاختلاف في الموقفين، تجري في وقت يمكن فيه القول بأن النظام الإيراني يبذل مساعٍ محمومة من أجل إطالة أمد المفاوضات والاستفادة من العامل الزمني باتجاه يخدم مشروعه النووي وليس يضره أو يضع حجر عثرة أمامه، وهنا يجب الأخذ بنظر الأهمية والاعتبار لوبيات النظام في البلدان الغربية وسعيها المستمر من أجل تلقين مراكز وشخصيات سياسية مؤثرة خيارات وسياقات سياسية بديلة يمكن اللجوء إليها لكسر جمود المفاوضات، وقد تكون واحدة منها تلك التي ذكرتها صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية!
"لاريبوبليكا" التي قالت إنه و"وسط انسداد المسار التفاوضي بين إيران والولايات المتحدة، ظهر مجدداً مقترح يوصف بـ"الواقعي" لإعادة تحريك عجلة المحادثات النووية المتعثرة.. "اتفاق إطار سياسي" يحدد المبادئ العامة والنقاط الجوهرية للتفاوض، على أن يمهد لاحقاً لاتفاق طويل الأمد وأكثر شمولاً." فإنها وبنفس السياق تضيف ونقلاً عن مصدر دبلوماسي مطلع على الملف أن "من بين الخيارات المطروحة للخروج من هذا المأزق، وقف برنامج تخصيب اليورانيوم الإيراني لمدة ثلاث سنوات، مقابل رفع جزء من العقوبات المفروضة على إيران"!
هكذا خيار لا يمكن أبداً اعتباره خياراً محايداً ليس للوبيات النظام الإيراني من دور وتأثير فيه، خصوصاً وإن المعروف والشائع عن النظام أنه يجزل العطاء لهذه اللوبيات من أجل إجراء تغييرات في المواقف الدولية المتشددة ضده بما يسمح له بمساحة كافية للمراوغة والمناورة وعدم خلق أرضية مناسبة للإجهاز على مشروعه النووي.
القصد من الخيار المطروح في "لاريبوبليكا"، هو أن الأعوام الثلاثة المقترحة قد تكون كافية لغلق أجواء الثقة والاطمئنان لنوايا النظام الإيراني ولموافقته للسير وفق الخطة الدولية المرسومة له، بيد أن السؤال الذي يعود ويكرر نفسه مرة أخرى، هل يمكن حقاً الحصول على ضمان يمكنه أن يحسم حالة القلق الدولية بخصوص المشروع النووي للنظام الإيراني؟
من أجل الإجابة الدقيقة على هذا السؤال، يجب العودة إلى سجل النظام في مجال الاتفاقيات المبرمة معه وكذلك في ظل الأحداث والتطورات التي جرت على مر الـ46 عاماً المنصرمة، ولو أخذنا المشروع النووي للنظام ذاته كمثال وتسائلنا عن سبب فشل اتفاق عام 2004 بين وفد الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) وبين النظام الإيراني، وكذلك فشل اتفاق 2015 بين مجموعة 5+1 والنظام أيضاً، فإن كليهما مرتبطان بحرص النظام على عدم التمسك ببنودهما وسعيه من أجل مواصلة نشاطاته السرية المشبوهة، وهنا نعيد للذكرى كيف أن المخابرات الألمانية والسويدية قد حذرتا من أن طهران واصلت مساعيها السرية بعد بضعة أشهر من إبرام الاتفاق النووي للعام 2015، كما إنه وبنفس السياق وفيما يرتبط بتدخلات النظام الإيراني في المنطقة، فإنه وبعد الانتكاسات التي حصلت لمشروع النظام في لبنان وسوريا، فإن النظام لا يزال يبذل مساعيه المحمومة لعودة الأمور لما كانت عليه قبل هذه الانتكاسات، وخلاصة القول، إن هذا النظام لا يمكن أبداً أن يتخلى عن مشاريعه التي قام بها في ضوء نهجه وإن الأحداث والتطورات الجارية خلال الـ46 عاماً الماضية تثبت ذلك بوضوح.
الخيار الوحيد الذي من شأنه أن يحسم حالة القلق بشأن المشروع النووي للنظام وحتى المشاريع المشبوهة الأخرى نظير تدخلاته في بلدان المنطقة، هو بحدوث التغيير السياسي الجذري في إيران والذي يكمن في دعم نضال الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية من أجل الحرية وإسقاط النظام وإقامة الجمهورية الديمقراطية، وبغير ذلك فإنه مجرد دوران في حلقة مفرغة!
لا يخفى هنا الإشارة إلى جزء من خطاب السيدة مريم رجوي في مؤتمر في البرلمان الفرنسي بتاريخ 27 أيار (مايو)، حيث قالت: "... لقد أكدت المقاومة الإيرانية مراراً للدول الغربية أنه إذا كان بإمكانكم إجبار هذا النظام على التخلي عن القنبلة والصواريخ، فلا تترددوا. لكن تجربة حوالي ثلاثة عقود من المفاوضات واضحة للجميع. لقد استغل النظام المفاوضات في كل مرة لكسب الوقت، وفي الخطوة التالية يكمل منشآته النووية. لو لم يكن هذا النظام يسعى للحصول على القنبلة، لما أهدر 2000 مليار دولار من أموال الشعب الإيراني في هذا المسار. قبل ثلاثة أسابيع، كشفت المقاومة الإيرانية عن موقع نووي سري آخر للنظام في منطقة سمنان شرق طهران، وهو جزء من جهاز النظام لصنع القنبلة الذرية.
وكما أعلنت المقاومة الإيرانية مراراً، فإن الخطوة الأولى لمنع الدكتاتورية الدينية الحاكمة في إيران من حيازة القنبلة النووية، هي تفعيل آلية الزناد وتفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي، والإنهاء الكامل للبرنامج النووي للنظام، خاصةً التخصيب. وهذا أمر يلعب فيه الاتحاد الأوروبي بقيادة فرنسا دوراً حاسماً.
لكن الحل النهائي لتخليص المنطقة والعالم من امتلاك عرّاب الإرهاب للقنبلة النووية، هو تغيير النظام على يد الشعب والمقاومة الإيرانية وإرساء الديمقراطية وسيادة الشعب في إيران. وعلى الغرب، بدلاً من سياسة المساومة التي فشلت مراراً في العقود الثلاثة الماضية، أن يتبنى سياسة حازمة تجاهه. على غرار المبادرة الفرنسية الأخيرة لتقديم شكوى ضد النظام بسبب احتجاز الرهائن...".