: آخر تحديث

نظام الرياضة.. مرحلة جديدة لحياتنا

1
1
2

تغريد إبراهيم الطاسان

يمثل صدور موافقة مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة على نظام الرياضة محطة تحول كبرى في مسار التنمية الوطنية، ونقلة نوعية في مأسسة القطاع الرياضي بوصفه أحد القطاعات الأكثر حيوية وتأثيرًا على صحة المجتمع واقتصاد الوطن وسمعته التنافسية.

فمنذ انطلاق رؤية المملكة 2030، أصبح الاستثمار في الإنسان محورًا أساسيًا، والرياضة كانت دائمًا جزءًا أصيلًا من هذا الاستثمار، لأنها ترتقي بجودة الحياة، وتدعم الاقتصاد، وتبني الروابط الاجتماعية، وتُخرج جيلاً رياضياً قادرًا على المنافسة وصناعة الإنجاز.

ومع اعتماد النظام الجديد، تنتقل الرياضة السعودية من مرحلة المبادرات المتفرقة إلى مرحلة الإطار التشريعي المتكامل الذي ينظم القطاع، ويضمن نموه واستدامته، ويمنح المؤسسات الرياضية فرصًا أكبر للتطوير والمساءلة والاحتراف.

إن أهمية هذا النظام لا تأتي من كونه وثيقة تشريعية فحسب، إنما من كونه منصة للإقلاع نحو مستقبل أكثر تنظيمًا وشفافية. فالرياضة لم تعد نشاطًا ترفيهيًا أو ممارسة جانبية، ولكنها أصبحت صناعة قائمة بذاتها، تُسهم في الناتج المحلي، وتُحفز الاستثمار، وتخلق وظائف نوعية، وتدعم السياحة، وتُسهم في بناء صورة دولية مشرّفة للمملكة.

والنظام الجديد يواكب هذا التحول، إذ يُرسخ قواعد الحوكمة، ويُنظم العلاقة بين الجهات المشرفة والأندية والاتحادات، ويعزز مشاركة القطاع الخاص عبر أطر قانونية واضحة تشجع الاستثمار وتحد من العشوائية، وتدفع المؤسسات الرياضية إلى تبني خطط عمل احترافية مبنية على رؤية طويلة المدى.

وتمتد أهمية النظام إلى الجانب الصحي، فهو يشجع على ممارسة الرياضة بوصفها عنصرًا رئيسيًا في الوقاية من الأمراض وتعزيز الصحة العامة. ومع الارتفاع العالمي لمعدلات الأمراض المرتبطة بقلة الحركة، تصبح المسؤولية مضاعفة في نشر ثقافة النشاط البدني بين جميع فئات المجتمع.

إن تشريعات النظام الجديد للرياضة وما يتضمنه من تمكين للجهات والمنشآت الرياضية ستسهم في رفع نسبة الممارسين، وتوفير بيئات آمنة ومجهزة، وزيادة المساحات الرياضية داخل المدن والأحياء، مما ينعكس مباشرة على جودة الحياة ومستوى الرفاه.

كما يلامس النظام الجديد البعد الاجتماعي للرياضة، ذلك البعد الذي يجعل من الملاعب والصالات وأندية الأحياء ساحات للتشارك المجتمعي، وتبادل القيم الإيجابية، وتوطيد الروابط بين فئات المجتمع. فالرياضة ليست منافسة فقط، ولكنها لغة مشتركة تعزز الانتماء، وترسخ الروح الرياضية، وتغرس قيم العدل والاحترام والعمل الجماعي. وفي مجتمع شاب مثل المملكة، تصبح الرياضة وسيلة فعالة لاستثمار طاقة الشباب، وبناء شخصيات قادرة على تحمل المسؤولية وصناعة المستقبل.

وعلى المستوى الاقتصادي، يفتح النظام الباب واسعًا أمام القطاع الخاص لتنمية استثماراته، خصوصًا بعد التجارب الناجحة التي شهدناها في استحواذ بعض الشركات على الأندية أو إدارة منشآت ضخمة وفق نماذج تشغيل حديثة.

النظام الجديد يمنح المستثمرين بيئة تشريعية آمنة وواضحة، ويعزز دورهم في بناء الاقتصاد الرياضي الذي يشهد نموًا عالميًا سريعًا.

وهذا التوجه لا ينعكس فقط على خلق الوظائف، بل يرفع مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي، ويعزز حضور المملكة في الصناعات الرياضية الحديثة، من الأكاديميات إلى الفعاليات الكبرى، ومن السياحة الرياضية إلى التكنولوجيا والابتكار.

ولا يمكن إغفال البعد التنافسي الذي يدعمه النظام. فوجود إطار قانوني واضح وشفاف يضمن تعزيز حضور المنتخبات والأندية السعودية في المحافل الدولية، ورفع نسبة مشاركاتها في المنافسات الإقليمية والعالمية.

ومع التطور الهائل في البرامج الرياضية، واحتضان المملكة لبطولات عالمية كبرى خلال السنوات الماضية، يأتي النظام ليضمن مواصلة هذا الزخم وفق منهجية واضحة، ويمنح الاتحادات والأندية أدوات أفضل للتخطيط والإعداد والتطوير، بما يرفع من جاهزية الفرق ويعزز قدرتها على المنافسة وتحقيق البطولات.

ويمتد أثر هذا النظام إلى العملية التنموية الشاملة، فهو يسهم في إعداد جيل رياضي واعٍ، وزيادة عدد المنشآت والمرافق، ورفع كفاءتها التشغيلية، وتمكين الكوادر البشرية من خلال برامج متخصصة واحترافية. ومع اتساع قاعدة المشاركين في الأنشطة الرياضية، تتوسع فرص اكتشاف المواهب وصقلها، وتزداد قدرة المملكة على بناء أبطال عالميين يرفعون رايتها في المحافل الكبرى.

إن نظام الرياضة ليس مجرد قرار تنظيمي، هو إعلان عن مرحلة جديدة، تُدار فيها الرياضة بمنهجية مؤسساتية، وتُبنى فيها الخطط على أسس علمية وتشريعية واضحة، ويتكامل فيها الجانب الصحي مع الاقتصادي والاجتماعي والتنافسي. إنه خطوة نحو مستقبل تتسع فيه الرياضة للجميع: للممارسين، وللمستثمرين، وللمواهب، وللمؤسسات، وللمجتمع الذي يرى في الرياضة أسلوب حياة وجزءًا من هويته الجديدة.

وباعتماد هذا النظام، تؤكد المملكة أنها ماضية في تحويل الرياضة إلى صناعة مؤثرة، ورافد اقتصادي، ورافعة للتنمية، وجسر للتواصل المجتمعي، ووسيلة لتمكين الإنسان السعودي في صحته ووعيه وقيمه وقدرته على الإنجاز. إنها خطوة تتسق تمامًا مع رؤية 2030 في تعزيز جودة الحياة وصناعة المستقبل، وبداية لمرحلة أكثر احترافًا واستدامة ونموًا في القطاع الرياضي الوطني.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد