: آخر تحديث

دبي تحتفل مرتين في عيد الاتحاد

2
2
2

سليمان جودة

من حسن الطالع أن يتواكب اختيار دبي بين المدن العشر الأفضل في العالم مع احتفالات دولة الإمارات بعيد اتحادها الرابع والخمسين، فكأن فرحة دبي ستكون فرحتين: واحدة بهذا الاختيار المتقدم، وأخرى بعيد الاتحاد، الذي يزحف نحو العيد الماسي، بإذن الله.

الاختيار جاء من جانب شركة ريزونانس للأبحاث والبيانات، التي تنظم هذا السباق في كل سنة، لعل الذين يعشقون التجوال بين المدن يعرفون أي مدينة بالضبط في موقع متقدم، وأي مدينة أخرى في موقع مختلف عن ذلك. هذه الشركة لا تطلق سباقاً عشوائياً بين المدن، وإنما تضع معايير صارمة للاختيار، وعلى أساس المعايير تظل الشركة تقوم بتقييم للمدن المختارة طول السنة، فإذا جاء موعد التصفية كان ترتيب كل مدينة في قائمة المدن الفائزة مرتبطاً بمدى استجابتها للمعايير المتفق عليها، وهي ثلاثة معايير أولها قابلية المدينة للعيش فيها، والثاني جاذبية المدينة، والثالث مدى ازدهارها بين المدن.

حصيلة السباق الجديد جرى الإعلان عنها بالتزامن مع احتفال الإمارات بعيد الاتحاد، وجاءت دبي في المركز الثامن من بين 400 مدينة، وضمت القائمة أربع مدن عربية أخرى: الرياض، أبوظبي، مكة المكرمة، الدوحة، وفي السباق الماضي كان ترتيب دبي في المرتبة الثالثة عشرة، بما يعني أنها تقدمت خمس درجات، وبما يعني أنها تدخل السباق في كل دورة جديدة وعينها على المرتبة الأولى، فلا تتوقف عن الزحف المتواصل نحوها.

وحين تتوقف أنت كونك متابعاً لتتأمل السباق مع حصيلته مع موقع دبي فيه يستوقفك أن الشيء الأساسي الذي يحكم مدينة أو إمارة مثل دبي في حركتها هو الطموح، وأنها كلما حققت طموحاً تريده راحت تتوجه إلى آخر جديد، وهكذا بغير توقف أو تأخير، ولهذا فإنها من دورة السنة الماضية إلى دورة السنة الجديدة في السباق تجاوزت خمس مدن في القائمة.

شيء آخر لا بدّ أن يستوقفك هو أن مجيئها في المرتبة الثامنة لم يجعلها تجد حرجاً في أن تعلن النتيجة، ولا في أن تعتز بها، والسبب أنها لا تتوقف عند طموح تراه لنفسها، فالحديث عن أنها الثامنة بين المدن سيظل يعطيها حافزاً أقوى من هنا إلى سباق السنة المقبلة، لعلها تتقدم خمس خطوات أخرى، فلا يكون بينها وبين المركز الأول أبعد من مرمى حجر، ففي عالمنا العربي تكتشف أحياناً أننا نستحي أن نكون في غير المركز الأول، ولا فرق في هذا الاستحياء بين شخص ومدينة، وهذا في الحقيقة يعبر عن عيب في العقل والفكر، لأن الذهاب إلى المركز الأول في أي سباق لا يكون إلا بالمرور بالمراكز السابقة، ولأن مجيء الشخص في مركز غير متقدم في أي قائمة يظل محفزاً له في اتجاه المستقبل، ويظل يغريه بأن طموحه لا بد أن يكون في موقع أبعد على القائمة، وأقرب إلى القمة منه إلى أي موقع آخر.

إن حديث دبي عن وجودها في المرتبة الثامنة قد يعني أنها راضية بهذا الترتيب، والحقيقة أن رضاها لا ينفي أنها تعلن ما تعلنه عن حصيلة السباق، ثم تعمل بالتوازي، للوصول إلى ما بعد ترتيبها القائم في اتجاه القمة، وتسعى بكل ما لديها من طاقة لأن ترتقي القائمة إلى قمتها.

هذه الروح تجدها في السيرة الذاتية لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، التي يروي فيها طرفاً من مسيرته ومسيرة الإمارة معاً، وستجد إلى جوار هذه الروح روحاً أخرى. هذه الروح الأخرى تتمثل في رغبة صادقة في أن تعرف أرض العرب أكثر من دبي، وألا تكون دبي في الإمارات وحدها، وإنما يجري استنساخها في بلد عربي هنا، أو في بلد عربي آخر هناك.

يأتي سباق أفضل المدن في دورته الجديدة ليقول إن تطور وتطوير المدن عملية لا يتوقف، وإنها لو كانت تتوقف ما كانت مواقع المدن في مثل هذا السباق قد تبدلت من دورة إلى دورة، وما كانت دبي قد قفزت فوق خمس مدن مرة واحدة في بحر سنة. إن معايير الاختيار الثلاثة لأي مدينة تبدأ من قابليتها للعيش، وتمر بجاذبيتها، وتنتهي عند ازدهارها فما المعنى؟ المعنى أن ثاني وثالث معيار إذا كانا يتصلان بالمدينة ذاتها كونهما معماراً وتصميماً وهندسة معمارية فإن المعيار الأول يتصل بالإنسان، من حيث قدرته على العيش في هذه المدينة من بين المدن، أو عدم قدرته على العيش في تلك المدينة من بين المدن. والمعنى كذلك أن المدينة كلما تقدمت في موقعها على قائمة هذا السباق كان تقدمها إشارة إلى أنها تستجيب لما يبحث عنه الإنسان إذا حط في أي مدينة، وهذه شهادة جديدة على انحياز دبي للبشر، إذا قامت مفاضلة فيها بين البشر وبين الحجر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد