حمد الحمد
رغم مرور ما حدث لي من زمن يقترب من 40 سنة، إلا أن المنظر مازال في ذاكرتي، ففي عام 1987، كنت في عمان الأردن في إجازتي الصيفية، حيث ارتفعت درجة حرارة ابني وأخذته لمستشفى حكومي في عمان، وعندما دخلت وجدت المكان يعمه الهدوء وكأني داخل مسجدٍ قبل الأذان بنصف ساعة... لا أحد، قلت لموظفة الاستقبال أريد الدخول على طبيب، قالت بأدب بعد أن تفحصت جوازي الكويتي: (آسف هذا المستشفى فقط للمواطنين والمؤمن عليهم)، قلت (ما العمل؟) ردت (بإمكانك الذهاب لأقرب عيادة خاصة) وفعلاً أخذت بكلامها.
أبومحمد، روى لي قبل يومين، قائلاً: «كنت في مدينة خليجية وبعد أن أخذت ابنتي لطبيب في مستشفى حكومي، قيل لي عليَ أن أدفع تكاليف العلاج والأدوية، ولم يكن أمامي حل إلا أن أدفع، وضاع صوتي (وأنا أقول في الكويت يعالج الخليجي بالمجان)، ولكن جاء الرد (هذا قانون.. الجميع يدفع)».
قبل أسبوعين عدت مريضاً في مستشفى الفروانية الجديد، وهالني ما شاهدت... جموعاً من البشر في كل مرافق المستشفى، لا أعرف هل هم زوار أم مرضى، زحام شديد أكثر من زحام مول في تنزيلات يوم الجمعة البيضاء أو السوداء، أخذت وقتاً حتى حصلت على موقف لسيارتي، وفي المستشفى الأميري كذلك تدخل تجد جموع البشر كتفاً بكتف...
مواطن يشيد بخدمة المستوصفات، ولكن يقول هناك مشكلة حيث المواطن قد يكتشف نقصاً في أدويته (السكر أو الضغط أو غير ذلك). ويذهب إلى المستوصف في أيام عطل الأعياد أو الجمع ويسمع كلاماً، (لا صرف أدوية في هذه الأيام) ويقع في ورطة، وسؤاله (لماذا لا يكون لكبار السن استثناء خاص؟!)، نتمنى أن يصل صوته لوزير الصحة.
ما أعنيه لماذا الازدحام في مستشفياتنا؟! الازدحام له أثر كبير في الضغط على مرافق المستشفيات ومواقفها، وهل هذا وضع كويتي فقط كون كل شيء بالمجان ولا تأمين؟ وأن يعامل الكويتي كما الآخرون، وليس له ما يسمى الميزة الأفضل.
أعجبتني مبادرة مستشفى خاص بالباكستان، حيث ضاقت إدارته ذرعاً بكثرة الزوار، فابتكرت أسلوباً جديداً حل كثيراً من الإشكالات التي نعانيها، حيث فرض على كل زائر لمريض 10 دولارات يدفعها، والعشرة دولارات تخصم من فاتورة علاج المريض، مع هذا الإجراء غاب الازدحام وخف الضغط على المرافق وخاصة المصاعد ودورات المياه، والممرات أصبحت خالية وأصبح الأطباء والعاملون يتنقلون براحة في المستشفى.
وهناك لغز لا أحد في وزارة الصحة يجيب عنه، وهو لماذا هناك في مستشفى الطب النفسي أكثر من 30 ألف مقيم -غير مواطنين- مسجلين يأخذون أدوية مخفضة؟ هل مرضى هم فعلاً؟
في هذا السياق أروي هذه الحكاية حيث إنني عملت في شركة، وكان معنا شاب مواطن ضارب الدنيا بعرض الطوفة، وفي يوم اكتشفت أنه معفىً من الدوام، وقلت له (كيف؟ أنت عاقل راشد وبكامل صحتك؟!)، قال (كلامك صحيح، ولكن أنا ادعيت أنني مريض نفسياً يعني «مو صاحي»، وعُقدت لي لجنة من خمسة أطباء أكبرهم كان يرتدي ربطة عنق حمراء، وعندما سألوني «كم سؤال»، أخذوا قراراً بالإجماع أنني «عاقل ونص»، ورفض طلبي). يقول (هنا قلت لأكبرهم يا دكتور أريدك بكلمة راس، وعندما اقترب مني مسكته من ربطة عنقه الحمراء أريد أن أسحبه في غرفة الاجتماع، هنا قال (لا لا... أنت يا ابني مش صاحي ونصف)، وتمت الموافقة على إعفائي بالإجماع، الله يرحم بطل قصتنا لكثرة مخالفته لكل القوانين والأعراف، لم يعمر طويلاً.
وننتظر إجابة من وزارة الصحة عن أولئك المرضى في الطب النفسي غير المواطنين، هل هم من ربع صاحبنا؟!

