: آخر تحديث

ترامب ومادورو.. وقصة الصراع

2
1
2

عماد الدين حسين

ما السبب الحقيقي للصراع بين الولايات المتحدة وفنزويلا؟ هل هو صراع شخصي بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ونظيره الفنزويلي نيكولاس مادورو؟ أم رغبة أمريكية في القضاء على تجارة وكارتلات المخدرات التي يقول ترامب إنها تنطلق من فنزويلا؟ أم أنه صراع أيديولوجي يدور بشأن الثروات الاقتصادية والمعادن النادرة؟ أم القلق الأمريكي من زيادة نفوذ روسيا والصين وكوريا وإيران في أمريكا اللاتينية.. أم أن كل ما سبق هو سبب الصراع؟

معرفة تفاصيل وبدايات وتطورات هذا الصراع ستقدم إجابة موضوعية عن السؤال الذي بدأنا به. الصراع لم يبدأ الآن فجأة، بل منذ عقود وقد تراكم طول السنوات الماضية، لكن يمكن القول إن البداية الفعلية للصراع كانت مع تولي هوغو تشافيز حكم فنزويلا في مطلع عام 1999 بخطاب سياسي وأيديولوجي معادٍ للولايات المتحدة وأقرب إلى كوبا وروسيا والصين وإيران. شافير تبنى شعار البوليفارية الذي يتعامل مع واشنطن باعتبارها قوة هيمنة.

وفي العام التالي، رفع تشافيز من مستوى التراشق الإعلامي مع واشنطن، وزاد من السيطرة الحكومية على قطاع النفط الذي يمثل 90 % من صادراتها وكانت تعمل فيه شركات أمريكية وغربية.

الخبراء يعدون الفترة من 2002 حتى 2006 بداية الصراع الحقيقي، ففي أبريل من عام 2002 وقعت محاولة انقلاب ضد تشافيز وأطاحت به لمدة 48 ساعة، لكن تشافيز استعاد السلطة واتهم أمريكا علناً بأنها دعمت وخططت للانقلاب.

وفى عام 2003 دعمت الولايات المتحدة مطالب المعارضة في إسقاط تشافيز، بالتزامن مع الإضراب في شركة النفط الوطنية الذي عطل إنتاج وتصدير النفط عدة أشهر. وفى عام 2004 اتهم تشافيز واشنطن بمحاولة اغتياله، وردت واشنطن في عهد جورج بوش الابن بتصنيف فنزويلا دولة لا تتعاون في مكافحة الإرهاب، ورد تشافيز بتصنيف أمريكا «عدواً استعمارياً»، وعزز علاقاته مع روسيا والصين وإيران.

في عام 2006 خطب تشافيز في الأمم المتحدة ووصف جورج بوش بأنه «الشيطان». في الفترة من 2007 حتى 2012 قررت فنزويلا إعادة هيكلة قطاع الطاقة وتحجيم دور الشركات الأمريكية، كما تم تأميم شركات عدة، ومنها شركات أمريكية. وردت الولايات المتحدة بفرض عقوبات على مسؤولين فنزويليين بتهم تتعلق بالمخدرات ودعم جماعات مسلحة.

في مارس 2013 ، توفي تشافيز وخلفه نيكولاس مادورو بعد فوزه بالرئاسة بنسبة 50.6 %، وهذه الانتخابات شككت فيها واشنطن والمعارضة الفنزويلية وانتقدت واشنطن ما عدته قمعاً للمعارضة وقررت فرض المزيد من العقوبات على حكومة كراكاس. هذه العقوبات ألحقت أضراراً هائلة بالاقتصاد الفنزويلي، وفي عام 2015 أعلنت إدارة باراك أوباما أن فنزويلا تمثل تهديداً غير عادي للأمن القومي الأمريكي، ما مهد لفرض مزيد من العقوبات.

المراقبون يعدون الفترة من 2017 حتي 2020؛ وهي حقبة الرئيس دونالد ترامب الأولى الأصعب، فقد فرض قيوداً كثيرة على السندات الحكومية الفنزويلية، وعقوبات على مسؤولين كبار في الحكومة.

في 2018 أعيد انتخاب مادورو في انتخابات وصفها ترامب بأنها غير شرعية، وفرض عقوبات على قطاع الذهب الفنزويلي.

التطور الأخطر حدث عام 2019 حينما عدّت إدارة ترامب خوان غوايدو رئيساً مؤقتاً، كما قررت حرمان حكومة مادورو من التحكم في شركة Cit90 في الولايات المتحدة، ثم فرض المزيد من العقوبات على قطاع النفط الفنزويلي، ما شل 70 % من عوائد الحكومة.

وفى عام 2020 وجهت وزارة العدل الأمريكية اتهامات مباشرة لمادورو وكبار المسؤولين بـ«الإرهاب والمخدرات»، وقرر ترامب رفع قيمة المكافآت مقابل تقديم معلومات عن المتهمين، الأمر الذي ما يزال سارياً حتى الآن. حينما خرج ترامب من البيت الأبيض وخلفه جو بايدن بدأ الصراع يتراجع إلى حد ما، حيث قرر تخفيف بعض العقوبات لأسباب إنسانية، لكن المفاوضات المباشرة فشلت.

وحينما اندلعت حرب أوكرانيا، اضطرت واشنطن للتواصل مع فنزويلا بسبب ارتفاع أسعار النفط، وتم منح شركة شيفرون تراخيص محدودة للعمل. عاد ترامب للبيت الأبيض، وعاد التوتر مرة أخرى للعلاقات وعادت كل العقوبات القديمة بحجة عدم التزام الحكومة بالقواعد والاتفاقيات الانتخابية. وأعلنت واشنطن أنها وثقت عمليات تهريب مخدرات في البحر الكاريبي مرتبطة بشبكات تهريب وكارتلات داخل فنزويلا، وتم نشر سفن أمريكية في المنطقة ومهاجمة زوارق قيل إنها تخص عصابات المخدرات، ما أدى لمقتل العشرات، وأخيراً قررت واشنطن إغلاق المجال الجوى لفنزويلا الأسبوع الماضي، بعد أن رفض مادورو مهلة حددها له ترامب للتنحي عن الحكم ومغادرة البلاد بضمانات أمريكية خلال مكالمة هاتفية بين الرئيسين.

والشواهد تقول إن العمليات العسكرية الأمريكية البرية المحدودة أو الواسعة قد تبدأ في أي وقت ضد فنزويلا، لكن منهج ترامب قد يقود إلى صفقة في نهاية المطاف، وهو الأمر الذي يدفعنا لإعادة طرح سؤال محدد بشأن رغبة إدارة ترامب في الحصول على نصيب كبير من كعكة الطاقة في فنزويلا، وكذلك المعادن النادرة، وأن قصة المخدرات ما هي إلا ذريعة تتخفى وراءها الأهداف الاقتصادية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد