: آخر تحديث

أمريكا الترامبية!

3
3
3

عماد الدين حسين

هل سوف يتمكن دونالد ترامب من تغيير الولايات المتحدة لتصبح على صورته «ترامبية»، أم أن هذه الدولة العظمى يصعب أن يغير هويتها شخص واحد مهما كان اسمه وحتى لو كان بقوة وصلاحيات وشخصية ترامب؟

أحد أهم أهداف برنامج ترامب في حملته الانتخابية «محاربة بيروقراطية ونخبة واشنطن»، وكان يدغدغ مشاعر البسطاء بهذا الشعار باحتساب أنه سوف يصب في مصلحتهم المباشرة على الأقل اقتصادياً.

ولكن منتقدي ترامب يرون أنه يهدف في الحقيقة أولاً إلى معاقبة كل من انتقده أو وقف في طريقه طوال السنوات الماضية، وثانياً، أن يجعل أمريكا على صورته الخاصة.

هناك رأي يقول إن فرص ترامب لتحقيق هدفه تبدو قوية فهو يواجه معارضة ضعيفة مقارنة بفترة رئاسته الأولى. وعلى حد تعبير ترامب نفسه وكما كتب أدوارد لويس في فايننشال تايمز: في فترتي الأولى كان الجميع يحاربني والآن فإن الجميع يريد أن يكون صديقي!

وهناك رأي مضاد يقول إن الدولة العميقة في أمريكا أقوى بكثير من أي شخص، وهي لن تترك ترامب يغير صورة أمريكا وهويتها المعروفة.

من حسن حظ ترامب وسوء حظ معارضيه أنه تمكن من تحويل الحزب الجمهوري إلى ما يشبه «حزب ترمباوي» وكل معارضيه الكبار في الحزب، إما رحلوا مثل جون ماكين، وإما ابتعدوا عن تحديه وآثروا السلامة واعتزال السياسة، بل الإصابة بالاكتئاب.

رحل أيضاً كل من ميت رومني وريتشارد بور وبات تومي، ولم يعد كبار معارضي ترامب في الحزب الجمهوري قادرين على تحديه أمثال سوزان كولينز وبيل كاسيدي وليزا موركوفسكي.

هناك عامل مهم يصب في مصلحة ترامب، وهو أن الحزب الديمقراطي في أسوأ أحواله منذ عقود، وعجز الحزب عن تقديم مرشح للرئاسة غير جو بايدن بعمر يبلغ نحو 82 عاماً، وحالة ذهنية غير مستقرة، ثم اضطر للتنازل عن الترشح لمصلحة كاميلا هاريس بعد تدخل متأخر من كبار قادة الحزب ورموزه.

كانت هناك بارقة أمل وهي التيار التقدمي المستنير داخل الحزب الديمقراطي، ولكنه لم يكن بالقوة التي تتيح له تقديم مرشح شاب. هناك قيادة مهمة في هذا التيار هي السيناتور بيرني ساندرز، ولكن كبر سنه وأفكاره شديدة اليسارية لم تكن تسمح له أولاً بالترشح وثانياً بالصمود الانتخابي.

ثم إن المحكمة العليا صارت الأغلبية فيها للمحافظين الذين عين بعضهم ترامب في ولايته الأولى، وكانت المفارقة أن ترامب تحدى المحكمة في قضية حظر تطبيق تيك توك. الولايات المتحدة كانت طوال الوقت تمارس معظم قوتها بصورة ناعمة. الآن ترامب يهدد الجميع من أول جيرانه كندا والدنمارك والمكسيك وبنما، بل الاتحاد الأوروبي وحلف شمالي الأطلنطي «ناتو» ناهيك عن خصومه مثل الصين وروسيا وإيران والفلسطينيين وكل من يتجرأ ويبدي معارضة له أو لإسرائيل.

ومن سوء حظ خصوم ترامب، أن قارة أوروبا صارت في أضعف حالاتها، ولم يعد فيها قادة كبار مثل انجيلا ميركل، وفرنسا مشغولة بمشكلاتها السياسية والانتخابية، على الرغم من التحدي الفرنسي المستمر لأمريكا ومحاولات هيمنتها على القارة.

نعود للسؤال الجوهري: هل يستطيع ترامب أن يغير أمريكا؟

فرصه لذلك كثيرة، والأمل الوحيد من وجهة نظر معارضيه أن يفقد الحزب الجمهوري أغلبيته في الكونغرس في التجديد النصفي بعد أقل من عامين ويتحول ترامب في هذه الحالة إلى بطة عرجاء، أو تقود معاركه الاقتصادية ضد الجميع إلى توحد العالم ضده، وإلى خسائر اقتصادية تنعكس على مستوى معيشة المواطن الأمريكي فينقلب عليه، بعدما وعده ببحور من المن والسلوى.

حينما يقرر ترامب الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ ومن منظمة الصحة العالمية ومن أونروا ومن مجلس حقوق الإنسان، وحينما يقرر ترحيل أي شخص يتضامن مع القضية الفلسطينية، وحينما يقرر فصل نحو ألف موظف يعتقد بأنهم غير مؤيدين له، وحينما يتحدى العالم بأكمله بتهديدات اقتصادية عبر الرسوم الجمركية، فإنه يعتقد بأنه قادر على صبغ أمريكا بلونه الخاص، وخصوصاً أن كبار أباطرة المال في أمريكا يصطفون خلفه.

ولكن في المقابل هناك من يقول إن أمريكا بكل قوتها وتنوعها و«دولتها العميقة» لا يمكن أن يغيرها أي شخص وحتى لو كان بقوة ترامب.

في كل الأحوال علينا الانتظار بعض الوقت حتى نعرف الإجابة الدقيقة عن السؤال الذي بدأنا به.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد