عماد الدين حسين
هل تدفع حرائق لوس أنجلوس الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب للاستمرار في اتفاقيات المناخ، أو على الأقل الإيمان بأن هناك فعلاً مشكلة اسمها التغيرات المناخية، أم أنه سيظل على اعتقاده والدفاع عن مصالح الشركات الكبرى التي لا يشغلها إلا جني الأرباح على حساب مستقبل الكوكب بأسره؟!
نتذكر أن من أوائل القرارات التي اتخذها ترامب في ولايته الأولى في الأول من يونيو 2017، كان الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ التي وقعها سلفه باراك أوباما عام 2015. وكانت حجة ترامب وقتها أنها تقوض الاقتصاد الأمريكي، وتم تنفيذ الانسحاب فعلياً في عام 2019.
لكن خلفه جو بايدن، في أول قراراته بعد فوزه على ترامب، أعاد الانضمام إلى الاتفاقية مرة أخرى في فبراير 2021. ترامب لا يعتقد أساساً بوجود خطر بسبب التغيرات المناخية، لكن ما حدث في لوس أنجلوس في الأيام الماضية يفترض أنه يقرع كل الأجراس بوجود الخطر.
طوال الأيام الماضية عاشت لوس أنجلوس عاصمة ولاية كاليفورنيا الأمريكية أسوأ كوابيسها على الإطلاق في العصر الحديث، حيث شهدت غاباتها حرائق غير مسبوقة قادت في حصيلة أولية إلى دمار أكثر من تسعة آلاف مبنى، وتعرض 28 ألف مبنى أخرى للخطر، وتم إصدار أوامر إخلاء لـ153 ألف شخص، وهناك 200 ألف آخرون تلقوا إنذارات بالاستعداد للإخلاء، وحصيلة الخسائر الأولية تتراوح ما بين 250-280 مليار دولار. ويصعب حصر الخسائر النهائية لأن النيران لم تنطفئ حتى كتابة هذه السطور.
السؤال الجوهري الذي ردده كثيرون هو: ما سبب هذه الحرائق التي دمرت كل ما وقف في طريقها ولم تفرق بين أكواخ بدائية وقصور لكبار الأثرياء ونجوم هوليوود، الذين شهدوا ما لم يكونوا يتخيلونه في أشد المشاهد خيالاً علمياً؟
طوال الأيام الماضية تابعت آراء وتفسيرات العديد من خبراء المناخ والطقس في الولايات المتحدة، وهناك ما يشبه الإجماع على أن المتهم الرئيسي الذي يقف وراء هذه الحرائق غير المسبوقة هو «التغيرات المناخية».
ولكي نفهم الأمر بصورة واضحة فإن السبب الذي قاد لاشتعال الحرائق هو الجفاف الذي ضرب جنوب كاليفورنيا وقلة الأمطار، ما أدى إلى جفاف النباتات، وبالتالي صارت عرضة للاحتراق بسهولة، خصوصاً مع أشعة الشمس.
بعض خبراء المناخ الذين تحدثوا لوسائل الإعلام الأمريكية والبريطانية يقولون إنه مع احتراق الغابات فإنها تطلق كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون والملوثات الأخرى في الغلاف الجوى، ما يسهم في تغير المناخ ويؤثر في جودة الهواء على بعد آلاف الأميال.
درجات الحرارة المرتفعة والجفاف المستمر الناتج عن ظاهرة «النينو»، والتغيرات طويلة الأجل الناتجة عن إزالة الغابات هي المسؤولة عن التغيرات الإقليمية في أنماط الطقس، التي أدت بدورها إلى موجات جفاف أكبر وأشد، ما يجعل الغابات أكثر عرضة للحرائق.
الحرائق التي تشتعل في الغابات الطبيعية هي جزء طبيعي من النظام البيئي، لكن الحرائق التي تندلع في الغابات الاستوائية الرطبة مثل غابات الأمازون فهي نادرة جداً ويتسبب فيها الإنسان بشكل كامل تقريباً.
بعض خبراء المناخ والطقس يقولون إن النيران انتشرت بسرعة كبيرة في لوس أنجلوس بسبب رياح شديدة يطلق عليها «سانتا آنا»، بلغت سرعتها 80 ميلاً في الساعة، أي نحو 129 كيلومتراً، وفي بعض المرات وصلت سرعتها إلى 100 ميل، أي 161 كيلومتراً في بعض المناطق الجبلية.
لم تشهد منطقة جنوب كاليفورنيا جفافاً مثل الذي شهدته مؤخراً، لكن ما زاد الأمر سوءاً هو الرياح القوية. أما الأمر الأكثر ارتباطاً بالتغيرات المناخية فهو درجات الحرارة الناتجة عن حرق الوقود الأحفوري، وبالتالي زيادة طقس الحرائق بسبب جفاف النباتات وانخفاض الرطوبة.
خبراء في المناخ يقولون إن النشاط البشري أسهم في زيادة نسب المناطق المحروقة في كاليفورنيا بنسبة 27 % منذ سبعينيات القرن الماضي، والأخطر أن التوقعات تشير إلى ارتفاع النسبة مستقبلاً.
لا يدرك كثيرون أن الحرائق الأخيرة لم تكن مفاجئة، بل إن هيئة الأرصاد الأمريكية حذرت السكان في أكتوبر الماضي «من رياح شيطانية» سرعتها تتراوح بين 45 ـ 60 ميلاً، وقد تمتد إلى 40 %، والذي حدث بالفعل أن الرياح هبت فعلاً، لكن بسرعة أكبر، ولا تزال تبعاتها وتداعياتها مستمرة.
الحرائق الأخيرة هي الأشد فتكاً منذ 40 عاماً، ويفترض ألا تحدث هذه الأيام، لكن اجتماع الجفاف مع الرطوبة مع الرياح الشديدة هو الذي أنتج هذا الكوكتيل العجيب من الحرائق.
عالمة الحرائق في جامعة كولورادو، جنيفر بالتش، قالت حسب «بى بى سى»: إن دراسة علمية نشرتها مجلة «ساينس» في أكتوبر الماضي حللت 60 ألف حريق منذ عام 2001، واكتشفت أن الحرائق الأسرع انتشاراً قد تضاعفت، وتسببت في دمار أكبر مقارنة بالحرائق الأبطأ والأكبر حجماً.
والغريب أن علماء المناخ يقولون إن حرائق الشتاء أكثر تدميراً مقارنة بحرائق الصيف الأكبر حجماً، لكنها الأقل تدميراً وانتشاراً.
بعد هذه الرياح الشيطانية ودمارها الكبير في لوس أنجلوس، هل يغيّر ترامب وأنصاره من نظرتهم ورأيهم في التغيرات المناخية، وهل يبدأون في اتخاذ الخطوات الجادة للتعامل بجدية مع هذه الأزمة، أم أنهم سيقودون الكوكب إلى مصير غامض؟!