: آخر تحديث

هكذا يفكر العالم من حولنا

5
5
5

سليمان جودة

وقّع الرئيس البرازيلي، لولا دا سيلفا، قانوناً يقيد استخدام الهواتف الذكية في المدارس، وفي اليوم نفسه، الذي جرى فيه هذا التوقيع، كانت وسائل الإعلام تنشر نتائج دراسة علمية تقول إن ما وقّع عليه دا سيلفا يجيء في مكانه تماماً.

الدراسة قامت بها جامعة أوكسفورد البريطانية، وكلية لندن الجامعية على عينة من 860 شخصاً، وتبين منها أن عدم اتباع العادات الصحية في مرحلة الطفولة والمراهقة يزيد من احتمالات إصابة الشخص بالخرف في الكبر.

ولا بد أن هذا جرس إنذار تقدمه الجامعة الشهيرة والكلية العتيدة لكل أسرة تريد منذ الآن أن تُبعد خطر هذا المرض عن أطفالها في المستقبل، فالأمر في يد كل أسرة، وفي متناولها، والموضوع لا يحتاج سوى الحرص على التمسك بالعادات الصحية، التي نشأ عليها أطفال العالم قبل أن تطرأ عليهم تكنولوجيا هذا العصر.

والحالة البرازيلية ليست الأولى في هذا الاتجاه، فلقد سبقتها حالات متناثرة على طول الطريق، ولكن الحالة الأسترالية هي الأقرب زمنياً، لأن الحكومة في أستراليا قررت قبل أسابيع تقييد وصول الأطفال دون 16 سنة إلى مواقع التواصل، ولم تشأ الحكومة أن تكتفي بذلك، وإنما أعلنتها صراحة أنها ستفرض عقوبات على أي منصة للتواصل الاجتماعي لا تلتزم بما ستقرره الحكومة.

ومن قبل كانت هناك قرارات شبيهة في فرنسا، وفي كل هذه الحالات نجد أنفسنا أمام حكومات تتطلع إلى المستقبل على نحو مبكر، وتدرك أن أطفالها هُم الذين سيكون عليهم أن يواجهوا هذا المستقبل، ويتعاملوا معه، وأنهم لن يستطيعوا ذلك ما لم يكونوا جاهزين ومؤهلين، وأن عليها كحكومات أن تنتبه إلى كل هذا جيداً، وفي الحالة البرازيلية يبدو أن الموضوع نال حظه من الدراسة قبل أن يخرج القانون على الناس، وقبل أن يتحول إلى قانون نافذ يحمل توقيع الرئيس.

ذلك أن حكومة الرئيس دا سيلفا حددت أول فبراير لتطبيق القانون، وهي لم تشأ أن تطبقه بغير فرز أو تمييز، ولكنها حددت حالات أربع سوف يكون فيها الهاتف الذكي متاحاً لطالب الابتدائي أو الثانوي في مقاعد الدراسة، وفيما عدا الحالات الأربع فهو محظور وممنوع.

الحالة الأولى هي الظرف الطارئ، والحالة الثانية هي التي يواجه فيها الطالب خطراً يستدعي استخدام هاتفه، والحالة الثالثة هي الأغراض التعليمية، أما الحالة الأخيرة فهي أن يكون الطالب ممن يعانون إعاقة تتطلب استخدام الهاتف.

وعندما نتأمل الحالات الأربع نكتشف أنها كلها حالات عملية، وأنها كلها تعبير عن ضرورة في الاستخدام، وأن الهاتف الذكي ليس لعبة في يد الطالب يلهو بها كما يحب، ولكنه جهاز له وظائف لا يجوز استخدامه في سواها.

طبعاً الحكومة البرازيلية تتكلم عن مقاعد الدراسة، وتحصر مهمتها في داخل الفصول الدراسية، لأن هذه هي مسؤوليتها، ولكن يتبقى استخدام الهاتف الذكي خارج المدرسة، وهذه ستكون مسؤولية الأسرة لا الحكومة، وعندما ترى الأسرة أن الحكومة تتصرف على هذا النحو فلا بد أنها ستمارس مسئوليتها كأسرة كما يجب، ولن تترك مساحة للتقصير، ولا للإهمال، لا لشيء، إلا لأن دورها يكمل دور الحكومة، كما أن دور الحكومة يكمل دور الأسرة، ويبني عليه.

هكذا يفكر العالم من حولنا، وهكذا يتعامل مع قضية صارت شديدة الإلحاح بالنسبة لكل أسرة في العالم، ونحن في منطقتنا جزء من هذا العالم لا ينفصل عنه، ولا بد من أن نجاري هذا التفكير، وألا نتخلف عنه أو نتأخر. وإذا شئنا أن نشير إلى بدايات عربية في هذا الطريق، فقرار استحداث وزارة للأسرة في دولة الإمارات مؤخراً بداية تدعو للتفاؤل، ولكننا في أشد الحاجة إلى بدايات مماثلة في كل عاصمة عربية، ولا بد أن هذه العواصم فيها أفكار قريبة من فكرة وزارة الأسرة، ومن المهم أن تتكامل مثل هذه الأفكار، وتأخذ عن بعضها البعض، لأن المستقبل الذي يخص عاصمة عربية هنا، لا ينفصل عنه في عاصمة عربية هناك.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد