: آخر تحديث

الحزم النبوي في مكافحة العنصرية

3
3
3

أحمد محمد الشحي

خلق الله الناس مختلفين في أشكالهم وألوانهم وألسنتهم، وجعل ذلك آية على عظيم قدرته، قال سبحانه: {ومن آياته ‌خلق ‌السماوات ‌والأرض ‌واختلاف ‌ألسنتكم ‌وألوانكم ‌إن ‌في ‌ذلك ‌لآيات للعالمين}، ومن الحكم الإلهية في ذلك أن يقع التعارف والتفاهم وتمييز الأشخاص بعضهم من بعض، فالسعيد من نظر إلى هذا الاختلاف نظرة اعتبار واحترام، والشقي من جعل ذلك مادة للتمييز والتنمر والعنصرية، فيُعيِّر هذا بلونه، وذاك بشكله، والثالث بلغته، والرابع بنسبه، والخامس بما وسع الله عليه من طرائق الألبسة والعادات.

وقد جاء الإسلام لرفع بنيان الأخلاق والسلوك الحسن بين الناس، وكافح مظاهر العنصرية والسخرية وكل ما فيه اعتداء من أحد على أحد، وعمل النبي صلى الله عليه وسلم على ترسيخ مبادئ الأخلاق الحميدة في التعامل بين الناس، وعالج أي فعل يخل بذلك بحزم، وقد قال عليه السلام: «إنما بُعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ونهى عن السخرية واللمز والنبز والغيبة والقذف وسائر هذه الآفات.

وحرص النبي، عليه السلام، غاية الحرص على غرس هذه القيم عبر المحافل الكبرى التي يجتمع فيها الناس، فقد خطب الناسَ يوم فتح مكة، فقال: «يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عُبِّيَّة الجاهلية (أي تكبُّرها) وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بَرٌّ تقي كريم على الله، وفاجر شقي هيّن على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير}»، وأكد، عليه السلام، ذلك في حَجة الوداع ذلك المحفل العظيم، فقال في خطبته وقد اجتمع إليه الناس من كل فج عميق: «يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى».

إن هذا التأكيد النبوي المتواصل في مثل هذه المحافل العظيمة على هذه القيم لتعكس حرص الإسلام على تكريس مبدأ الاحترام في معاملة الناس، وعدم الاستعلاء عليهم أو تحقيرهم أو استنقاصهم بسبب أشكالهم أو ألوانهم أو ألسنتهم أو أنسابهم، والتأكيد على وحدة الأصل البشري وترسيخ مبدأ المساواة بين الناس، فجميعهم يرجعون إلى أبيهم آدم عليه السلام، وآدم من تراب، فلا وجه لأن يتكبر أحد على أحد، وقد تعامل النبي، عليه السلام، بحزم مع من يتكبرون ويمارسون ضد الناس العنصرية ويتنمرون عليهم فقال: «ليدعُنَّ أقوام فخرهم برجال أو ليكونن أهون عند الله من الجُعلان التي تدفع بأنفها النتن»، فأخبر أن هؤلاء يعاملهم الله بنقيض قصدهم، فلأنهم تكبروا وتفاخروا على غيرهم كان منزلتهم عند الله أهون من هذه الجعلان وهي الحشرات التي تعيش في النتن، فلا قيمة لهم عند ربهم.

وربّى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته على التواضع واحترام الآخرين، وعدم معايرتهم وازدرائهم، وهو ما انعكس إيجاباً في معاملتهم الحضارية مع الناس أجمعين، فقد لقي المَعرُور بن سُويد أبا ذر رضي الله عنه وعليه حلة، وعلى خادمه حلة، فسأله عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلاً فعيّرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا ذر أعيّرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خولكم (أي خدمكم يصلحون أموركم)، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم»، فكان هذا الحزم النبوي تنفيراً من هذه الخصلة السيئة، وحثّاً على نقيضها من المعاملة الحسنة.

وحدثت ذات يوم مشادة بين رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار، فقال الأنصاري: يا للأنصار، وقال المهاجري: يا للمهاجرين، فسمع ذلك النبي عليه السلام فقال في حزم: «ما بال دعوى الجاهلية، دعوها فإنها منتنة»، فوصف النبي هذا الفعل بالقبح تنفيراً منه، مع أن هذه الأسماء أعني لفظ المهاجرين والأنصار هي في أصلها أسماء شريفة، ولكنها لما استخدمت في مواضع العصبية جاء النهي عن ذلك.

إن العنصرية خصلة ذميمة، مناقضة لتعاليم الدين الحنيف وللقيم الأخلاقية والإنسانية، ومن الواجب مكافحته، ليسود الاحترام والتعايش بين الناس.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد