سُئل الأديب المغربي عبد اللطيف اللعبي مرةً عن جدوى الكتابة طالما أن عدد القراء في عالمنا العربي قليل، مع ارتفاع نسبة الأمية، فلمن يكتب الأديب طالما أن عدد قرائه متواضع؟ سؤال استفز اللعبي الذي قال إن فعل الكتابة في كل زمان ومكان تضمّن مفارقة ما، بل إنه حتى في بلد مثل فرنسا، المتقدمة ثقافياً، التي انتقل اللعبي للعيش فيها، هنك شكوى من نقصان عدد القراء.
ما أراد اللعبي قوله هو أنه ليس أمام الكاتب من خيار سوى أن يكتب، كون تأثير الكتابة تراكمياً، ولا ينشأ فورياً، ولو أن الأدباء، عبر التاريخ، كفّوا عن الكتابة بحجة أنه لا أحد يقرأ ما يكتبون، لما كانت المعرفة الإنسانية قد بلغت الشأو العالي الذي بتنا نلمسه، ولمسته قبلنا أجيال سابقة، وستلمسه أجيال تالية، وقد بلغ مراتب غير مسبوقة.
الحوار مع اللعبي أجري قبل عقود من الآن، كون الكتاب الذي حواه، وهو «حرقة الأسئلة» صدرت طبعته الأولى في عام 1986، ويومها قال الكاتب إن عدد القراء في بلاده، المغرب، في السنوات العشر السابقة لإجراء الحوار، قد تضاعف نحو ثلاث مرات، بل إن رواية مواطنه محمد شكري «الخبر الحافي» طُبع منها، يومها، عشرون ألف نسخة، وهذا رقم ضخم، إذا ما علمنا أن غالبية الكتب تنشر في حدود ألف نسخة من كل طبعة.
بعد هذه العقود يمكن الجزم بأن القراء قد تضاعفوا، عدداً ونسبة، رغم أننا لن نبلغ في القريب وقد لا نبلغ أبداً الحالة المثلى التي يصبح فيها الكل قرّاءً، ولكن ها هي دور النشر تضخ سنوياً آلاف الكتب، وبعضها يعاد طبعه عدة مرات، وتستقطب معارض الكتب جمهوراً واسعاً من مختلف الأعمار، بما في ذلك الأجيال الشابة، وهذا ما يمكن ملاحظته في معرض الشارقة الدولي للكتاب المقام حالياً.
لا يخلو الأمر من تحديات جرى تناولها كثيراً، بعضها لم يكن قائماً لحظة إجراء الحوار المشار إليه مع اللعبي، في مقدمتها سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، التي استحوذت على جزء كبير من الوقت الذي كان الكثيرون يخصصونه للقراءة، أخذاً في الاعتبار أن جزءاً كبيراً مما تضخه هذه الوسائل من محتوى لا ينتج معرفة ولا يطوّر منها، ولكن يجب رؤية المشهد في شموله لا الاكتفاء بجانبٍ واحد منه، فالكتاب رغم ذلك يظلّ حاضراً، والكثير من الكتب ما زالت تثير الجدل وتستقطب قطاعات من القراء.
جانب آخر من الأمر يتصل بتزايد حضور الكتاب الرقمي، ودون الدخول في تفاصيل أيّهما أكثر جاذبية، الورقي أم الرقمي، فإن الثاني بات وسيلة إضافية للقراءة، عزز مكانتها، خاصة لدى الأجيال الجديدة.