: آخر تحديث

الآتي أعظم

7
10
7

على اللبنانيين أن ينتظروا تسلم دونالد ترامب مقاليد السلطة في الولايات المتحدة في 20 كانون الثاني (يناير) المقبل ليتبينوا إلى أين ستقودهم حرب بنيامين نتنياهو المجنونة المتصاعدة في وحشيتها وتدميرها، هذا إذا اعتمد ترامب مواقف تختلف عن مواقف الادارة الديموقراطية الحالية المؤيدة لإسرائيل بشكل مطلق. 

وفي انتظار ذلك عليهم أن يتدبروا أمرهم ويديروا شؤونهم بما تيسر إذ لا حول لهم ولا قوة، لا في تغيير مجريات الحرب ولا في استجلاب ضغط دولي على  نتنياهو وحكومته التي يعزز المتطرفون مواقعهم فيها بعد التغييرات الأخيرة التي أجراها وتلك التي يعتزم إجراءها على المستويين العسكري والأمني.

البلد المنهوب المنكوب أصلاً يواجه نكبة جديدة ملامحها واضحة للعيان. الجرح لا يزال ساخناً والألم العظيم لم ينفجر بعد، انها مسألة وقت سيحل قريباً ليستشعر البلد بأسره أن عليه أن يواجه معضلات معقدة تفوق بمفاعيلها ما يواجهه حالياً من مآسي الحرب. المشهد العام للبلد اليوم هو على الشكل الآتي: اشتباكات ميدانية على الحدود الجنوبية بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" تشهد كراً وفراً، غارات إسرائيلية متواصلة ليلاً ونهاراً على كل قرى الجنوب والقرى الشيعية في البقاع وبعلبك الهرمل، غارات على مناطق إيواء النازحين في مناطق غير شيعية كانت تعتبر ملاذاً آمناً، وفي نتيجة ذلك عشرات القرى المدمرة تدميراً شبه شامل، حتى الإمحاء من الوجود، أكثر من مليون شخص مهجرين من قراهم ومدنهم يقيم معظمهم مكدسين في ظروف صعبة في مراكز ايواء لا تتوافر فيها مرافق وخدمات كافية، ومعظم هؤلاء فقدوا كل شيء وخرجوا من منازلهم بثيابهم تحت التهديد بهدمها فوق رؤوسهم... وقس على ذلك مما يرتبه هذا الوضع من أعباء على الدولة ومؤسساتها وعلى المهجرين أنفسهم وعلى البيئات المستضيفة، وأولاً وأخيراً على الاقتصاد الوطني وعلى الأمن والخدمات.

كيف لدولة مهترئة ومفلسة أن تدير كل هذه المعضلات المرشحة للتعقيد يوماً بعد يوم، لا سيما أن لا حل في الأفق مع تصاعد الغارات الإسرائيلية ورفض نتنياهو البحث في أي وقف لإطلاق النار؟ لا احصاءات دقيقة بعد عن عدد المساكن المدمرة كلياً أو جزئياً، لكن الصورة العامة مخيفة، كما ليس هناك إحصاء دقيق لعدد المؤسسات الإنتاجية والتجارية، ولا للمزارع والبساتين وكروم الزيتون... والطرق والمنشآت الحيوية والسيارات... وإن كانت التقديرات تؤكد الكارثة. بالتأكيد الدولة عاجزة عن مواجهة المعضلة وخزينتها فارغة، والجباية شبه متوقفة حالياً، والمساعدات التي تصل الى البلاد هي مساعدات عينية "ساخنة" لمعالجات آنية طارئة، من مواد طبية وغذائية لإغاثة المهجرين وتأمين الحد الأدنى من مقومات الحياة.

ستتوقف الحرب يوماً ما، بعد أو قرب، وسيجد اللبنانيون أنفسهم أمام استحقاق اعادة البناء، لكن قبل ذلك أين سيقيم المهجرون وفي أي شروط ريثما يعاد بناء منازلهم المدمرة؟ ومن أين سيأتون بالمال ليعيشوا بعدما دمرت ممتلكاتهم ومصادر رزقهم؟ وفي أي مناطق في ظل ملامح مشكلة رفض بيئات طائفية أخرى أي بيع أو حتى تأجير لأراض في مناطقها؟ والسؤال الأكبر من سيبني ومن سيمول؟

الأجوبة صعبة جدا ومعقدة، لكن الأكيد أن الدولة بإمكاناتها المحدودة جداً غير قادرة على ذلك، وتعقيدات المشهد الطائفي والمناطقي ستكون عاملاً غير مساعد. صحيح أن اللبنانيين بشكل عام أظهروا تكافلاً وتضامناً مع المهجرين وأمّنوا لهم كل ما يستطيعون من إمداد وعون، لكنّ لهذا حدوداً وحسابات  دقيقة منها ما يتعلق بالذاكرة ومنها ما يستشرف المستقبل. بعد حرب تموز (يوليو) 2006 تدفقت المساعدات على لبنان من دول الخليج ومن ايران ومن دول أوروبية وتعهد بعض هذه الدول اعادة بناء قرى بأكملها اضافة الى المرافق العامة التي تعرضت للتدمير، كما ساهم الرأسمال المحلي والمغترب في إعمار ممتلكاته الخاصة، لكن حتى الآن لا مؤشرات ايجابية في هذا الخصوص وكل ما يتم تداوله في هذا الإطار لا يدعو الى التفاؤل.

فلا أحد حتى الآن قال شيئاً، بل ربما العكس هو الصحيح، فربما كانت هذه الحرب مناسبة للدفع باتجاه تدفيع بيئة "حزب الله" الثمن مادياً ومعنوياً وسياسياً ـ و"حزب الله" لا يبدو قادرا على تعويض الناس، والتعويض الذي قالت إيران إنها ستقدمه قد لا يكون بحجم هذا الدمار المقدر بالمليارات. المعضلة الآتية كبيرة جداً.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد