: آخر تحديث

الصين وحرب أوكرانيا

13
11
11

أسهمت الحرب الروسية - الأوكرانية في تغييرات جيوسياسية عميقة، أفرزت رؤية واضحة للمشهد العالمي، فالحرب الأخيرة جعلت العالم يصطفّ ضمن ثلاثة اتجاهات، الأول دول تحالفت مع الغرب الذي كشر عن أنيابه، والثاني دول جمحت نحو الاتجاه الآخر المعادي لكل ما هو غربي، وهناك اتجاه ثالث رفض الانصياع لأيٍّ من الاتجاهين، وأراد أن تكون له شخصيته المستقلة، وكمثال على هذا الاتجاه الصين، التي من الصعب وضعها في بوتقة معينة. ترغب الصين في أن تكون قطباً عالمياً، وتعرف كيف تتحكم بخيوط المشهد من دون التورط مع هذا الطرف أو ذاك، إذ إن ما يحكم علاقاتها مع الآخرين، هو أمران: الأول مصالحها الاقتصادية، والثاني الاستقلالية في اتخاذ القرار، فهي رغم علاقتها القوية بروسيا، ودعمها إياها بالفيتو أكثر من مرة، وإقامتها معها تحالفات مثل «بريكس»، فإنها رفضت أن تكون تابعة لها، وأرادت استغلال حرب موسكو مع كييف بما يحقق مصالحها الاقتصادية، ويضمن لها موقعها العالمي.المؤكد أن روسيا تدرك حقيقة موقف الصين، لكن حاجة كل منهما إلى الأخرى، مثَّل دفعة كبيرة للعلاقات بين الجانبين بشكل متسارع لاستثمار هذه الحرب، كلٌّ من منظوره وتوجّهه، فموسكو ترى أن تقاربها مع بكين، يكسر حصار الغرب عليها اقتصادياً وعسكرياً، ويخلق توازناً في ظل تجنّد أعدائها التقليديين، وهو ما اضطرها إلى انفتاح اقتصادي كبير على الصين العام المنصرم، لتصبح خلال وقت وجيز سادس أكبر شريك تجاري للصين، بتجارة بلغت 240 مليار دولار، بزيادة 64% على عام 2021، فضلاً عن ضخ موسكو للغاز بلا قيود للعملاق الآسيوي.استطاعت الصين أن تسير على خط رفيع في التعامل مع أطراف الحرب، متبعةً توجيهات منظّرها الاستراتيجي سان تزو، الذي قال: «إن الفوز دون قتال هو الفن النهائي للحرب»، حيث لم تترك بكين موسكو لقمة سائغة لأعدائها، وقدّمت الدعم غير المباشر لها، توازياً مع الحفاظ على مسافة معينة مع الغرب، إضافة إلى تعميق نفوذها في مناطق كانت تُعدّ حديقة خلفية لروسيا، خصوصاً في الجمهوريات السوفييتية السابقة، بعدما غضت موسكو الطرف عنها، بسبب أولوياتها في المواجهة مع أوكرانيا، كما عززت حضورها في آسيا الوسطى، لتعزيز طريق الحرير الجديد، وتمكّنت من زيادة تهديداتها العسكرية لتايوان، لإعادتها للحضن الصيني، مستغلة عدم قدرة حلفاء الجزيرة على دعمها بفاعلية، بسبب الاستنزاف في أوكرانيا.المستفيدة الأكبر من هذه الحرب دون أن تتورط فيها، هي الصين، التي استغلت الفراغ العالمي بتعزيز حضورها بقوتها الناعمة، وهو ما يثير سخط أمريكا ودول أوروبية عدة، وفي الوقت ذاته يرضي موسكو التي ترى أن بكين أخف وطأة من أعدائها «الطامحين لاستئصالها».


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد