: آخر تحديث

المخزنجي أخطأ بيت إدريس

26
14
16

في فيلم روسي يعود إلى الحقبة السوفييتية، يمكن ترجمة عنوانه «حمّام الهنا»، موقف طريف عن عريس جديد، سافر ليلة رأس السنة بالقطار من موسكو إلى مدينة أخرى، ليلتقي عروسه المقيمة فيها، بعد أن احتفى به أصدقاؤه في «حمّام الهنا»، وفق تقليد دارج في الاحتفاء ب«العرسان» الجدد. حين بلغ وجهته قصد العريس شارعاً آخر غير الذي تقع فيه العمارة التي تقيم عروسه فيها.

أرقام العمارات تتشابه في مختلف الشوارع. قصد العريس المبنى الذي يحمل رقم عمارة العروس، والطريف أيضاً أن المفتاح الذي في جيبه فتح باب الشقة، التي لم يكن فيها أحد لحظتها، فألقى بجسده المتعب على السرير، وغرق في النوم، وحين أتت صاحبة الشقة، بعد قضاء حفل رأس السنة مع أصدقائها، فوجئت بوجود الرجل الغريب على سرير نومها.

خطر في البال هذا المشهد حين قرأتُ القصة القصيرة للمبدع محمد المخزنجي التي تحمل عنوان: «يوسف إدريس»، والمنشورة في مجموعته القصصية «البستان»، وليس بالوسع الجزم ما إذا كانت حكاية القصة متخيّلة، أم أنها من وحي تجربة فعلية للمخزنجي، حين اتفق مع يوسف إدريس على زيارته في شقته.

بدا للحاكي في القصة، الذي سنفترضه المخزنجي نفسه، أن صوت باب جرس الشقة التي قصدها هو نفسه الصوت الذي سمعه عندما زار يوسف إدريس قبل ثلاثة أعوام، لكنه فوجىء بصوتٍ مختلف يُرحّب به قبل أن يبصر صاحبه وهو يخاطبه: «انت فين يا راجل.. في انتظارك من زمان».

لا وجه شبه بين الرجل، ويوسف إدريس. لا داعي لتذكيركم بقوام وملامح وجه إدريس، أما الرجل الذي فتح باب الشقة مرحّباً بالمخزنجي، فقد كان «دقيق البنية، كهلاً، وأصلع»، لكن ابتسامة وجهه الحافل بالترحيب وهو يحيي الضيف، لم تترك للأخير فرصة للتراجع، بخاصة أنه كان متأكداً من أن الطابق هو الطابق، ورقم الشقة هو الرقم، فمدّ يده إلى يده مردداً: «آه.. صحيح.. تلات تنين غياب».

لحظتها خطر في ذهن الضيف أن من استقبله قد يكون قريباً أو صديقاً ليوسف إدريس، وافترض أن الأخير أخبره أن ضيفاً سيأتيه على الساعة السابعة، وعليه استقباله والترحيب به، حتى يأتي إدريس نفسه، الذي قد يتأخر قليلاً في العودة إلى بيته. ولكن انطباعه هذا سرعان ما تبدد حين لاحظ أن تفاصيل الشقة تختلف عن شقة إدريس التي سبق له أن زاره فيها.

بعد تفاصيل أخرى، أدرك الضيف أنه في الشقة الخطأ، تماماً كما هو العريس في «حمّام الهنا». خرج خائباً ليكتشف، بعد أن أصبح في الشارع، أنه قصد شقة تحمل الرقم نفسه، ورقم الطابق نفسه، لكنها في العمارة المجاورة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد