نقف اليوم بكل اعتزاز وفخر ونحن نعيش في وطن الإيمان والقوة، الذي صنعت منه الأحداث والتحديات وطناً قوياً يصنع الحرص ويصقل الانتماء، وأن المبادئ الكبيرة هي التي تعيش، وأن الرؤية والصبر يتوجان العمل الدؤوب بالنجاح ويحققان المزيد من الخير لهذا الوطن، وقد أثبتت دولة الإمارات العربية المتحدة نفسها كدولة رائدة ومؤثرة على مستوى العالم ونجحت في تحقيق إجماع دولي حول المستهدفات التي انعقد لأجلها «كوب 28» في مدينة دبي، حيث تبنّت دول العالم المشاركة في المؤتمر بالتوافق أول اتفاق تاريخي بشأن المناخ يدعو إلى «التحوّل باتجاه التخلي تدريجياً عن الوقود الأحفوري بما يشمل الفحم والنفط والغاز التي تعد مسؤولة بشكل رئيسي عن الاحترار العالمي. وشكّل المؤتمر، الذي استمر لمدة أسبوعين، في مدينة إكسبو، فرصة لتلاقي الدول المختلفة وتشاورها في القضية الأهم التي تمس مستقبل وجودها وهي قضية ارتفاع درجات الحرارة في الأرض. وكانت دولة الإمارات حريصة، من خلال قيادتها للمشاورات بين مختلف الوفود المشاركة، على الوصول إلى توافقات عالمية حول خطة ناجحة لتحقيق الحياد المناخي في موعده المقرر دولياً وهو عام 2050.
وشهد المؤتمر الإعلان عن تفعيل الصندوق العالمي للمناخ، الذي سيعمل على تعويض الدول الأكثر تضرراً من هذه الظاهرة، وقد تعهدت دول عديدة بمبالغ مالية تصل إلى 792 مليون دولار لتمويل عملية التغير نحو الاقتصاد الأخضر، وأعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة عن إنشاء صندوق بقيمة 30 مليار دولار للحلول المناخية على مستوى العالم، والذي صُمّم لسد فجوة التمويل المناخي وتيسير الحصول عليه بتكلفة مناسبة.
ورغم أن البيان الختامي قد أشار إلى التحول التدريجي عن الوقود الأحفوري، لكن لن يكون من السهل حدوث ذلك في المستقبل القريب، لأن النفط والغاز يمثلان أكبر محرك للاقتصاد العالمي، وغالبية المركبات التي تسير في مختلف الدول تعمل بهذا الوقود وتعتبر الدول المتقدمة من أكثر الدول استهلاكاً له. ورغم التقدم الكبير لدى تلك الدول في إنتاج مصادر بديلة للطاقة مثل الطاقة النووية وطاقة الشمس وطاقة الرياح وطاقة الهيدروجين وسوى ذلك، فإنها لاتزال تعتمد بشكل رئيسي على النفط والغاز، وهذا يدل على قصور الطاقات الجديدة والمتجددة في تحقيق حلول مستدامة للاقتصاد الصناعي والمتقدم. فمثلاً لم تثبت المركبة الكهربائية، حتى الآن، كفاءتها في إيجاد حلول بديلة عن الوقود الأحفوري، فالعيوب الموجودة في تلك المركبة تجعل من الصعب اعتمادها كوسيلة نقل آمنة مئة في المئة، فقد تم تسجيل عدة حوادث لانفجار تلك المركبات من تلقاء نفسها في مناطق مختلفة من العالم، وهذا أمر خطير لا تقوى أي شركة منتجة لتلك المركبات على احتماله. في حين أن المركبة التي تعمل بطاقة الوقود الأحفوري، آمنة تماماً، وهذا ما سوف يجعلها مركبة رئيسية للنقل لسنوات طويلة قادمة.
ولعل الحلول التقنية المتمثلة في احتجاز الكربون وتخزينه وإعادة تدويره عبر صناعات كثيرة مهمة، هي الحلول الوحيدة القادرة على إعادة التوزان البيئي إلى مساره الصحيح، وهذا الشيء الذي دارت حوله معظم الحوارات في مؤتمر دبي للأطراف، وهو التوجه الذي سوف يسير عليه العالم، حيث إن الشركات سوف تتسابق للفوز بمناقصات عمليات احتجاز الكربون في هذه الدولة أو تلك، وبهذه العملية المربحة لمختلف الأطراف، فإن العالم سيكمل مساره الراهن من دون تغيير، في الوقت الذي يتناقص فيه حجم الكربون في طبقات الجو من خلال عمليات المطاردة والاحتجاز التي تقوم بها الشركات المتخصصة، وبهذه الطريقة المبتكرة والمربحة للجميع يمكن تحقيق الحياد المناخي في وقته المعلوم، كما أنه مع تقدم الأبحاث العلمية فقد يتم تطوير مصادر جديدة للطاقة تكافئ الوقود الأحفوري بل تتفوق عليه، وبما يجعل من السهل التخلص منه بشكل دائم.
حفظ الله دولة الإمارات بقيادتها المؤمنة وشعبها الأصيل ومجدها التليد، فهي اليوم أكثر قوة من أي وقت مضى وأكثر اقتداراً على إدارة الأحداث الدولية وتنظيم المؤتمرات العالمية بما يخدم البشرية جمعاء.

