تعد كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة أعلى مؤسسة عسكرية علمية ترتبط برئاسة الأركان العامة، وذلك لما لها من دور مهم في إعداد القادة للعمليات المشتركة، ولذا يتم اختيار قائدها بعناية ليمارس جميع الصلاحيات القيادية والإدارية والتعليمية والدراسات والتطوير. وللكلية مهام كثيرة من أهمها:
أولاً. تأهيل الضباط من مختلف أفرع القوات العسكرية لفهم وممارسة القيادة في الوحدات العسكرية ومراكز القيادة كضباط أركان.
ثانياً. المساهمة في تطوير معارف الضباط ولوضعهم على طريق المعرفة ليصبحوا طلاب علم على الدوام، يتابعون ويستوعبون كل المستجدات في مجال تخصصاتهم.
ثالثاً. إعداد الدراسات والأبحاث الاستراتيجية في مجال الأمن الوطني، وكل ما له تأثير على مصالح الوطن ومقدراته، وكل ما يطرأ على الحروب من تغييرات ومستجدات.
وتقدم الكلية برامج متعددة كالماجستير للعلوم العسكرية للضباط من كل أفرع القوات المسلحة والقوات العسكرية الأخرى، ومن الدول الصديقة والشقيقة. واليوم تخطو الكلية خطوات متسارعة نحو التغيير للأفضل، بفضل ما تلقاه من دعم من سمو ولي العهد وزير الدفاع وسمو نائبه، ومن معالي رئيس هيئة الأركان العامة، لتواكب ما تعيشه وزارة الدفاع من تطوير شامل وإعادة هيكلة. وقد استحدث أخيراً كلية الحرب. وهي التي يلتحق بها النخبة من قادة القطاعات العسكرية، وما يماثلهم بالمرتبة من الوزارات المدنية ككبار موظفي وزارة الخارجية كما هو في الدول المتقدمة، وتركز في مناهجها على الدراسات والخطط الاستراتيجية، وتُمنح صلاحيات كثيرة لدراسة كل ما يعزز الأمن الوطني ويستشرف المستقبل، وقريباً ستتحول الكلية إلى جامعة للدفاع الوطني، وهو تطوير شامل يماثل ما لدى الدول المتقدمة.
وقد سعدت كثيراً بحضور ندوة أقامتها كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة قبل أسابيع وعلى مدى يومين، عن "عمليات المعلومات" وهو مصطلح حديث يشمل كل ما له علاقة بإيصال المعلومة إلى المستهدف، وبأكثر من وسيلة متاحة، مع التركيز على أهمية المعلومة وتأثيرها، ودورها في نجاح العمليات العسكرية والمدنية بشتى أنواعها وأهدافها. وقد تحدث في الندوة خبراء من داخل المملكة وخارجها، أحد المحاضرين ضرب مثلاً في أهمية المعلومة فيما ما تقدم الدول من مساعدات لغيرها، فبعض الدول تنفق مبالغ طائلة قد تصل إلى المليارات ولا تؤدي نفس النتيجة التي تحصل عليها دولة تنفق القليل، لكن لديها وسائل اتصال فعالة. ومثال ذلك ما تنفقه المملكة في سبيل إعمار اليمن وبناء بنيته التحتية وما يحتاجه من مدارس ومستشفيات، ومع هذا قد تحجب عن المواطن اليمني هذه الجهود، ويتم التركيز على ما تقدمه دولة أخرى قد لا يصل إلى 10 % مما تقدم المملكة.
محاضر آخر تطرق لما تتعرض له المملكة من هجوم منظم عبر وسائل التواصل المختلفة، وفي تناسق وتناغم بين المواقع من دول مختلفة، مما يدل على أن من يقوم بذلك دول وليس أفراد فقط، بعض التغريدات تكون مجهزة مسبقاً وتستخدم الذكاء الإصطناعي لإيهام المتلقي بصدق الرسالة. وأضاف المحاضر: ويزداد الهجوم كلما زاد النجاح، وزاد تاثير المملكة على مستوى العالم.
"عمليات المعلومات" تستحق أن يعقد لها الندوات وترفع التوصيات للاهتمام بها، ليس في المجال العسكري فقط، ولكن في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وقد خرجت الندوة بتوصيات كثيرة من أهمها في رأيي ما يلي:
أولاً. الندوات العلمية تنجح حين تتولاها الجامعات والمعاهد والكليات، وحين تجد الدعم والرعاية من الجهات العليا، وتكون فائدتها أكثر حين يشارك بها خبراء من الداخل والخارج، يتطرق خلالها لمواضيع في غاية الأهمية. الحراك العلمي والبحوث والدراسات وعقد الندوات من أهم وظائف المؤسسات العلمية ومنها الجامعات، خصوصاً مع هذا التسارع الهائل في وسائل التقنية واستخداماتها العملية في شتى المجالات.
ثانياً. فتح القنوات مع المؤسسات العلمية والجامعات في الدول المتقدمة من أهم الإجراءات الفعالة لتطوير الجامعات والكليات المدنية والعسكرية، ومن أهم الخطوات توقيع مذكرات التفاهم والاتفاقيات والتوءمة لتبادل المعلومات والدراسات والأساتذة والطلبة. وجود العنصر الأجنبي من الدول المتقدمة سواء مستشارين أو معلمين أو طلبة يثري ثقافة المؤسسة، ويبقيها على تواصل مع أحدث الدراسات والمناهج والخطط والعمليات.
أحسنت قيادة كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة بعقد هذه الندوة وفي هذا الوقت بالذات، وبذل مركز الدراسات الاستراتيجية فيها جهود كبيرة أثمرت عن نجاحها، والتي سيكون لها فوائد مهمة على مختلف الأصعدة بإذن الله.