حين تُغتال العقول، لا تُطلق رصاصة، بل تُزرع فكرة.
وفي زمنٍ تتعدد فيه الجبهات، لم تعد الحرب مجرد دوي مدافع، بل صارت معركة على الفكر، وصراعاً على الوعي، واستهدافاً مباشراً للهوية والانتماء.
أتحدث هنا عن عقول ضلّت البوصلة، لا تُدرك ما لها وما عليها، ولا تعي أن نعمة الأوطان لا تُشترى بجاه ولا تُقاس بمال، بل هي أثمن ما يُملك، وأعلى ما يُصان.
عقول تتغذى على الشعارات، وتنساق خلف العبارات المؤدلجة، دون إدراك أن كثيراً مما يُطرح إنما يُدار من خلف ستار، تُحرّكه أصابع خفية، تغرس السم في العسل، وتغلف الباطل بثوب الحق.
هناك من يختطف الفضل، ويظن أن الحكمة انطلقت من صوته، وأن الفكر حكر عليه، بينما يتناسى – أو يجهل – أن منبع الحضارة، ومهد الرسالة، ومنطلق الفصاحة، هو هنا: من أرض أشرقت فيها شمس الوحي، وأضاءت للبشرية طريق الهداية.
اليوم، تُدار أضخم المعارك على مسرح الإعلام، ليس بالسلاح، بل بالكلمة والصورة، والترغيب والتضليل. مكائن إعلامية هائلة، تسعى لتطويع العقول، وفرض ثقافات هجينة، وخلق نماذج مشوّهة من الانتماء، تُضعف الثقة بالهوية، وتشوّه معالم الثبات.
لكن ما يُبهج في خضم هذا المشهد، هو وجود مركز الحرب الفكرية؛ هذا الصرح السعودي الذي نهض بمهمة عظيمة، تتجاوز الدفاع إلى البناء، وتنتقل من رد الفعل إلى المبادرة.
مركز رسّخ مفاهيم الوسطية والاعتدال، وفنّد مزاعم الغلو والتطرف، وكشف زيف الجماعات المنحرفة، واستعاد النصوص من أيدي العابثين، ليعيدها إلى سياقها الحق، ومنهجها المستقيم.
جهوده لم تقتصر على مواجهة التطرف فحسب، بل امتدت لتحصّن الشباب، وتعزز وعيهم، وتعيد إليهم الثقة في هوية ضاربة في الجذور، تفاخر بقيمها، وتباهي برسالتها، وتخاطب العالم بلغة السلام، لا بلغة الخنوع؛ بلغة الوئام، لا بلغة الذوبان.
نعم، إنَّ الحصانة الفكرية ليست خياراً، بل واجب.
وإن العقل، حين يكون سعودياً، منتمياً، راسخاً، فهو خط الدفاع الأول، وسور الوطن الذي لا يُخترق.