من زاوية بيروتية اختفت عن الواجهة، بدأت الحكاية... ومن مشهد لمقهى اسمه "الحاج داود"، استيقظت ذاكرة لا تزال تؤلم صاحبها كلما مرّ بها صوت بحر، أو سقطت صورة قديمة من الذاكرة.
***
هذا المقال عن مقهى قديم في بيروت كان اسمه "مقهى الحاج داود"، أرسله إليّ الكاتب الصديق عبد الفتاح خطاب، المقيم في كندا. وهو يصف تاريخ المقهى بأنه "حكاية جميلة رواها الموج وابتلعها البحر".
"مقهى الحاج داود"، أو قهوة "الحاج داود" كما نقول في العامية، كان جزءًا حميمًا من بيروت التي شوّه أمراء الحرب وجهها، وقضى حيتان المال على كثير من معالمها تحت شعار "إعادة الإعمار".
كان هذا المقهى المطلّ على البحر مكانًا عرفته وأنا صغير، إذ كان والدي يصطحبني إليه في الأعياد وأيام العطل، وكنت وأنا أقرأ مقال الصديق الكاتب عنه، أفكر في غزة، فتكتبني صور الموت والدم والدمار، وأقول في نفسي: إذا كان غياب مقهى واحد من الذاكرة يجعلني أتحسر على مدينة هي مسقط رأسي ومنشئي ومراح طفولتي وصباي، فكيف تكون مشاعر أهل غزة، وهم يرون مدينتهم تتهدم بكاملها أمام أعينهم، وذكريات أعمارهم تندثر تحت ترابها، ويسمعون، والعالم كله معهم يسمع، أن غزة قد تتحول في الغد إلى "ريڤييرا" لراحة دونالد ترامب؟
لا بد أن الكثيرين يتساءلون اليوم عن مصير منطقتنا المنكوبة بحروب "الآلهة والرسل والأنبياء"، كيف سيكون؟ وما إذا كانت غزة آخر المآسي، أم هي فصل من فاجعة طويلة سوف تتبعه فصول؟
في الماضي قال ڤاغنر إن العالم كان، وسيبقى، عالم طغاة وأوغاد ومجرمين. رحل ڤاغنر، ولم يتغير العالم، وبقي عالم أوغاد ومجرمين وطغاة.
مصدر الإلهام:
نص المقال من الكاتب عبد الفتاح خطاب، المنشور في إصدار "مرايا التراث – العدد 9، شتاء 2019"، الصادر عن الجامعة اللبنانية الأميركية في كندا.