: آخر تحديث

دول الخليج العربية والولايات المتحدة: أمن من؟

2
2
2

يتفق خبراء العلاقات الدولية في الشأن الخليجي على أن الولايات المتحدة تنظر للخليج باعتباره أحد أولويات الأمن القومي الأميركي، وتعتبر السياسة الأميركية في المنطقة أحد الثوابت لما للمنطقة من أهمية استراتيجية واقتصادية، ولما تملكه من احتياطيات نفطية يتوقف عليها الاقتصاد الأميركي والعالمي، ولما لها من موقع جيوسياسي يلعب دوراً محورياً في تحولات النظام الدولي وبنية القوة، ومن هذا المنظور تعتبر دول الخليج العربي محدداً لسيطرة وهيمنة الولايات المتحدة على قمة النظام الدولي.

في هذا السياق يمكن فهم وتفسير الهجوم العدواني الذي شنته إسرائيل على قطر مستهدفة قيادات حماس. هذا الهجوم ليس هجوماً عابراً، بل له تداعيات ونتائج على علاقات دول مجلس التعاون الخليجي بالولايات المتحدة وبمقاربات السلام، وسيشكل مرحلة جديدة في العلاقات تقوم على الندية وعلى المصالح المتبادلة والمشتركة. فالسياسة مصالح مشتركة وعلاقات ومنافع متبادلة، والسياسة الخارجية لأي دولة لا تخرج عن كونها أهدافاً ومصالح عليا ووسائل لتحقيق هذه الأهداف، وهذا ينطبق على العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية.

وبداية لا بد من التأكيد على التحولات في الدور والمكانة والشراكات الاستراتيجية الواسعة التي تحكم هذه الدول بالعالم وبالقوى المؤثرة اليوم كالصين وأوروبا. فلم تعد هذه الدول تقاس بمساحتها وعدد سكانها بل بامتلاكها لعنصر القوة الشاملة التي تحولها لقوى مؤثرة بدور كوني، ومن شأن ذلك أن تنظر الولايات المتحدة لأمن المنطقة على أنه أولوية وحاكماً للعلاقات. ولن تعد العلاقات أحادية أو فوقية، العلاقات تبادلية وتحكمها المصالح المشتركة.

وبحسب الباحث الأميركي جون غلاسر فإن التواجد العسكري الأميركي بمنطقة الخليج يسعى لتحقيق الأهداف التالية:

- ردع صعود أي قوة مهيمنة إقليمية أو دولية تسعى للسيطرة والتحكم على موارد الطاقة.

- منع أي قوة أجنبية من الحصول على موطئ قدم في المنطقة.

- احتواء المنازعات الإقليمية والحروب التي يمكن أن تعطل إمدادات الطاقة.

- منع أي محاولة لغلق أو التحكم في مضيق هرمز والذي يعتبر القناة النووية لتدفق إمدادات النفط.

وبالرغم من الثوابت في العلاقات بين الولايات المتحدة ودول الخليج العربية، إلا أن هناك تحولاً في العلاقات والاعتماد شبه الكلي على بناء شراكات استراتيجية مع العديد من دول العالم. وذلك لتنامي دور وقدرات دول الخليج لدرجة اعتماد الولايات المتحدة عليها في الجانب الاقتصادي ودعم الاقتصاد الأميركي، وبالدور البارز لمجلس التعاون الخليجي كإطار تكاملي بديل في شتى المجالات.

وفي هذا السياق يُفهم الموقف الأميركي من العدوان الإسرائيلي على قطر والتأكيد على العلاقات التحالفية. ولعل مشكلة العلاقات والأمن تقع في جانب السياسة الأميركية ذاتها بقدرتها على التوفيق والمواءمة بين الالتزام الأميركي بأمن وبقاء إسرائيل، وبين الالتزام بأمن واستقرار منطقة الخليج العربي. وهذه الإشكالية برزت مع العدوان الإسرائيلي الذي سيترك آثاراً بعيدة المدى في العلاقات ومحاولة دول مجلس التعاون الخليجي مراجعة تحالفاتها ودعم قدراتها الذاتية والاستمرار في دورها وسياستها على المستوى الإقليمي والدولي بحفظ الأمن والاستقرار وبناء السلام في العديد من المناطق، وهذا انعكاس للسياسات الحكيمة والواقعية التي تتبناها وإيمانها أن منطقة بأهمية الخليج العربي تحتاج إلى الاستقرار والسلام والمساهمة العالمية في بناء الأمن والسلام العالمي.

ولا شك أن هذه السياسات تفسر لنا الموقف الداعم والقوي من العديد من دول العالم بإدانة العدوان والوقوف بجانب سيادة قطر ودول المنطقة. ويبقى السؤال: كما للولايات المتحدة أهدافها ومصالحها الاستراتيجية العليا في المنطقة، كذلك لدول المنطقة مصالحها وأهدافها الاستراتيجية التي قد تلتقي أو تختلف في الكثير من القضايا. وحيث تحمي الولايات المتحدة مصالحها وتدافع عن ثوابت سياستها الخارجية، أيضاً دول الخليج العربية تدافع وتحمي مصالحها. ويبقى أمن كل دولة له الأولوية في سياسات الدول.

وأخيراً، لعل أهم التحولات تبني مقاربة الأمن الخليجي الواحد واستعادة مفهوم الأمن القومي العربي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.