: آخر تحديث

الطلاق يُروّج له المُهَرّجون

4
1
3

علي الخزيم

قبل أن يَخرج الطفل للحياة مولودًا فإنه يجد الرعاية الكاملة مِن الجهات المسؤولة بالدولة بتوجيهات وقرارات عليا مِن لدن القيادة الرشيدة -أعزها الله سبحانه- وحين بلوغهم فزواجهم وإنجابِهم فإن أنجالهم مشمولون بذات الرعاية؛ وهكذا فالمملكة منذ التأسيس تُولِي الأسرة عنايتها بإطار مِن الرعاية الاجتماعية الشاملة، وقد سَنَّت أنظمة واضحة صريحة بهذا الشأن؛ وتكفل حقوق الأطفال وحمايتهم وفقًا للشريعة الإسلامية السمحة؛ وبما مِن شأنه توثيق الأواصر الأسرية وتعميق المُثُل العربية الإسلامية.

حالات الطلاق ليست حكرًا على بلد أو جماعة؛ بل هي حالات عالمية غير أن النِّسب تتفاوت والأسباب تختلف؛ ووراء الأسباب والنِّسب ظروف وبيئات دافعة إما زيادة أو نقصًا، ولا يمكن -برأيي- تعميم حالة على بقية الحالات بالأزمنة والبلدان، وهنا بمملكتنا الحبيبة قد كشفت بيانات رسمية صادرة عن الهيئة العامة للإحصاء مؤخرًا واستنادًا إلى سجلات وزارة العدل عن ارتفاع ملحوظ في أعداد عقود الزواج وصكوك الطلاق، وللبحث عن الأسباب تجد أن مختصين اجتماعيين ونفسيين يرجعونها إلى جملة من المسائل المتشابكة كغياب الثقافة الزوجية السليمة، وتأثير وسائل التواصل الاجتماعي والخيانة وسوء المعاملة وتراكم الخلافات دون إدارتها بحكمة.

والمتأمل في الأسباب يَجِد تشعُّبات لافتة؛ وكمثال: فإن بعضا من الجنسين يُقدِمُون على الزواج دون الوعي الشامل الكافي بمسؤولياته وبالعلاقات الزوجية فيصطدمون بواقع معاكس لما رسموه بأذهانهم عن عش الزوجية، ومع الأيام تظهر تدرجًا مشكلات تبدأ بسيطة لتتطور وتكبر إلى خلافات مزعجة؛ فتؤدي للشقاق المُوصِل للطلاق، وقد تكون شرارة الخلاف مِن الضغوط المالية اللاحقة بالزوج جراء المبالغة في مصروفات العرس وما قبله وما يليه من مراسم كان بالإمكان تجاوزها أو اختصارها لو أُخضِعت للحكمة والرأي السديد، كما أن للتدخلات الجانبية الخارجية دور واضح بإشعال نار الفتنة بين الزوجين المؤدية للطلاق.

وعن الحلول بصفة عامة وإن تباينت الحالات: فإنه على الأزواج الذين يواجهون صعوبات وخلافات طارئة الحرص على تغليب حسن النّيَّات والتمسك بأهداب الفضيلة ومحامد الأخلاق المشتركة التي تُقرِّب القلوب وتُصفّي النفوس، والتّعود على مرونة وسلاسة التعامل، والميل إلى ما يُصلِح الأمور قبل انكسارها تماما واحتوائها بالمعروف، والسعي الجاد لمنع خروج الخلاف عن إطار الأسرة الصغيرة؛ تجنبًا لإشعال الخلاف من الآخرين، وثمّة دعوات إلى تضمين (الكشف قبل الزواج) الكشف النفسي لتجنب مشكلات مستقبلية تعود لحالات نفسية لم تكن ظاهرة، كما أن من الأهمية للشباب القناعة بتصورات واقعية للزواج والاستعداد لتنازلات نبيلة لإنجاح علاقات المودة والرحمة.

ويتحدث بعضهم عن جدوى الدورات التثقيفية للمُقبلين على الزواج؛ وهذا وإن كان جيدًا إلَّا أن نسبة مِمَّن خضعوا لمثل هذه الدورات (من الجنسين) لم ينجحوا بتطبيق ما تدربوا عليه؛ بل ربما أن زيجاتهم قد فشلت؛ ولكل زيجة فاشلة أسبابها، وقد يكون مرد ذلك للرواسب الاجتماعية البيئية المُختَزنة ببعض القلوب والأنفس مِمَّا يعجز بعضهم عن تركه كموروث ولاعتقاده بصوابه، ومع تعدد الأسباب والحلول فإن مِمَّا يُحْذَر مِنه التأثر بالمحتويات الهابطة التي تبثها بعض حسابات وسائل التواصل الاجتماعي وتروّج خلالها للطلاق كحل فريد للخلافات الزوجية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد